بعد الطلب العالمي .. التمويل الإسلامي: اختيار أصيل أم بديل؟
في ظل الإقبال المتزايد على التعاطي مع أدوات وأساليب الاستثمار الإسلامية من صكوك وبيوع وغيرها من قبل المصارف الربوية (التقليدية) العربية منها والغربية. وفي ظل الحماس الشديد للتمويل الإسلامي الذي يبديه عديد من الدول، حتى تلك التي لا تقبل بمجرد وجود إسلامي رمزي كالحجاب والمئذنة! كفرنسا وسويسرا، وكذلك دول وثنية غير دينية مثل اليابان وكوريا. في ظل هذا كله فإن السؤال الذي يجب طرحه هو: هل الإقبال على التعاملات المالية الإسلامية مدفوع بالسعي نحو تحكيم الشريعة الإسلامية في الاقتصاد؟ أم الاقتناع بالجدوى الاقتصادية والمالية للنموذج الإسلامي في التمويل كبديل للنظام الربوي القائم؟ أم أن الظروف الاقتصادية المتمثلة بالفوائض النقدية لدى الدول الإسلامية وتوجهات العملاء، وحاجة السوق هي التي تقود المؤسسات المالية والمصرفية للتعامل مع هذا النمط من التمويل أو قبوله أو غض الطرف عنه؟للمساعدة على الإجابة عن هذا السؤال فإننا نستطيع التمييز بين أصناف المؤسسات (وكذلك البلدان) التي تتعامل أو أنها تسمح بالتعامل المالي بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية، وتقسيمها إلى:
ـــ بلدان تبنت الشريعة الإسلامية بشكل كامل، واجتهدت لتطبيق النظام الاقتصادي الإسلامي ومنه النظام المالي. وكذلك المؤسسات المالية والمصرفية التي أسست بدافع إسلامي أصيل لتطبيق الشريعة الإسلامية في هذا المجال الاقتصادي المهم. يضاف إليها المصارف الربوية التي تحولت بالكامل ــــ أو في طريقها ــــ إلى مؤسسات مالية إسلامية.
ـــ مصارف عربية ربوية وجدت في أساليب التمويل والاستثمار الإسلامي فرصة سانحة لسوق رائجة لمنتجات تطلبها السوق بشدة. وهذه المصارف غير مقتنعة دينياً بتحريم الربا، بدليل استمرارها في العمل على أساس سعر الفائدة.
ـــ مؤسسات مالية ومصرفية ربوية غربية دخلت على خط الصناعة المالية الإسلامية مباشرة أو من خلال مصارف عربية ربوية أو إسلامية. يدفع هذه المؤسسات المالية الشغف باقتسام حصة كبيرة من كعكة الأموال الفائضة لدى دول المنطقة، مستفيدة من حضورها القوي في المنطقة، إضافة إلى رغبة الدول الإسلامية في الاستفادة من الخبرة العريقة لها في الصناعة المالية.
ـــ حكومات دول عربية وغربية وجدت في استقطاب الأموال بطريقة شرعية فرصة للحصول على التمويل الداخلي والخارجي من خلال إصدار أدوات تتوافق مع الشريعة الإسلامية.
إن من أهم المبررات التي نسوقها كمدافعين عن فكرة التمويل الإسلامي أن هذا التمويل جزء من نظام اقتصادي إسلامي متكامل يسعى لتحقيق الرفاه الاقتصادي للمجتمعات ضمن إطار الشريعة الإسلامية السمحة. وبالتالي فإنه يجب أن ينظر إلى تبني التمويل الإسلامي من خلال أدوات الاستثمار الإسلامي وأساليبه كجزء من استراتيجية تهدف إلى الوصول إلى نظام اقتصادي إسلامي متكامل. وهذا ما يجب أن يكون في صلب اهتمام القائمين على الصناعة المالية والمصرفية الإسلامية، وأهم أولوياتهم.
إنني أزعم أن التوجه نحو التمويل الإسلامي كخيار استراتيجي وخطوة نحو تحكيم الشريعة الإسلامية في الاقتصاد لا يتعدى ثلة قليلة من المصارف والمؤسسات المالية، أسسها ويشرف عليها رجال أعمال لديهم رؤية استراتيجية نحو اقتصاد إسلامي متكامل. وينطبق الكلام نفسه على توجه الحكومات للاعتماد على التمويل الإسلامي في إدارة المالية العامة من حيث التطبيق الفعلي أو البدء بالسير في هذا الاتجاه.
إن تبني البنوك الربوية أساليب التمويل الإسلامي لا يجوز أن يفهم خارج إطار سعي هذه المصارف لتنويع منتجاتها والاستفادة من موجة الطلب المتزايد من المودعين على الأساليب المتوافقة مع الشريعة. كما أن كثيراً من هذه التطبيقات تتعلق بعقود عليها استفهامات شرعية كبيرة، فضلاً عن تطبيقها ضمن إطار ربوي. وبالتالي فهي لا تعدو كونها دعايات وهمية لا يصدقها الواقع والمشاهدات الحية وتستتر خلف أسماء لمتخصصين في الشريعة، ليس لأكثرهم أدنى معرفة بأبجديات المعاملات المالية المعاصرة والاقتصاد المعاصر.