دورة مشاعر المستثمر .. 14 مرحلة

إننا كبشر تتحكم بنا المشاعر بطبيعتنا وهذا يجعل الاستثمار بالنسبة لنا صعبا نوعاً ما، وخصوصاً لصغار المستثمرين. ويمر المستثمر بعدة مشاعر عندما يبدأ بالاستثمار، سواء في سوق الأسهم أو أي أنواع الأسواق الأخرى المشابهة مثلا العقار، الذهب، والعملات.

ويجب أن يعلم المستثمر ما هي تلك المشاعر قبل أن يقدم على أي استثمار. فبمعرفتها يستطيع المستثمر أن يحدد موقع السوق الحالي وفي أي مرحلة تقريباً وهل المرحلة خطيرة أم لا، مما سيساعده على اتخاذ القرار إما بالاستثمار أوالخروج من السوق، وذلك لتحقيق أرباح أو للحد من الخسارة. ولا شك أن كل من استثمر في سوق الأسهم قبل الفقاعة أو سوق العقار اليوم عاصر جميع المراحل أدناه أو بعض منها.

إن هذه الأسواق هي عبارة عن تجمع لمجموعة من الناس يتصرفون وفق ما تملي عليهم مشاعرهم في وقت ما أو لحظة بعينها، إما بالبيع أو بالشراء، ودائما ما تكون هذه القرارات إما بدافع مشاعر الخوف أو الطمع. ولذلك فإن صعود السوق أو نزوله هو عبارة عن تعبير عن مشاعر العامة، أو القطيع كما يسمى في لغة الاقتصاد. ففي حالة مشاعر الطمع يرتفع السوق، وفي حالة الخوف يخسر السوق. وهذا يذكرنا بالمثل المتداول في منطقة نجد الذي يقول ''جود السوق ولا جود البضاعة''، فجود السوق يعني رغبة الناس في الشراء عند الطمع في تحقيق أرباح وذلك بغض النظر عن جودة البضاعة.

وفي أمريكا وأوروبا حيث يتم التداول بمليارات الدولارات يوميا'' يَعمد صناع السوق إلى الاستفادة من كل مرحلة من مراحل هذه الدورة واستغلالها لمصلحتهم وذلك لجهل عامة المستثمرين بها.

وأول من تطرق إلى العامل النفسي في الاستثمار هو رجل إنجليزي يدعى Charles Mackay وقد كان تشارلي صحافيا وشاعرا، ولد عام 1814 ميلادي. وكان تشارلي مهتما بالعوامل النفسية التي تتحكم في عامة المستثمرين (القطيع) عند اتخاذ القرار الاستثماري. وبعد أن قام بتحليل بعض الفقاعات والطفرات الاقتصادية في وقته، قام بتأليف كتاب في عام 1841 باسم :
(Extraordinary Popular Delusion
s and the Madness of Crowds)
أي التضليل المفرط وجنون القطيع، واعتذر عن دقة الترجمة. ورغم أن الكاتب ليس اقتصاديا ولا طبيبا نفسيا، ورغم أنه ألف الكتاب قبل 170 سنة، إلا أنه اليوم من القواعد الاستثمارية التي يرتكز عليها كثير من الاقتصاديين والمستثمرين في عهدنا الحالي.

وتتلخص دورة هذه العواطف في أربع عشرة عاطفة أو مرحلة، وهي كما يلي:
1- التفاؤل: وفي هذه المرحلة يكون المستثمر في بدايته وتكون طموحاته عالية ويتمنى تحقيق أحلامه في عالم الاستثمار ويحلم بأن يتقاعد مبكرا، كما أنه مسرور لدخوله لهذا العالم المليء بالفرص.

2- الإثارة: يبدأ هنا ارتفاع السوق وقيمة المحفظة الاستثمارية، وتستمر الطموحات العالية، ويبدأ المستثمر بالتفكير في التقاعد المبكر جديا''، وتدخل الفرحة في حياته حيث إن باب النجاح قد فتح له، ويبدأ بالإحساس بأنه مستثمر ناجح.

3- المتعة: وهنا تكون متعة المغامرة، فالسوق قد ازداد بشكل مغر وكبير وكذلك المحفظة الاستثمارية، ولا يصدق المستثمر ما تراه عيناه، وأنه فعلا ''حالفه الحظ ونجح في استثماره.

ويظن في قرارة نفسه أنه من أذكى المستثمرين، ويبدأ برفع سقف الطموحات وربما بدأ بالبذخ في حياته فهو رجل غني ومستثمر ناجح. ويبدأ في إصدار فتاوى عن السوق وعن كيفية التعامل معه، ويقوم البعض ببيع كل ما لديهم من أصول والاقتراض ليستثمر في السوق، والبعض يقوم بجمع أموال من حوله لاستثمارها لهم، ويصبح بعد ذلك مدير محافظ من الطراز الأول. وهنا ربما يستقيل من وظيفته أو يتقاعد مبكرا، فلم لا، وهو المستثمر الفذ.

4- الفرحة: وفي هذه المرحلة يكون السوق في أخطر مراحله فالأسعار مبالغ فيها إلى درجة غير منطقية، ولكنك لا تقتنع بأن هذا أفضل وقت للبيع وأن السوق ما زال أمامه موجات صعود. والأسوأ من ذلك أنك تستمع لأي خبر إيجابي ولو كان غير منطقي، وتتفادى أي خبر سلبي ولو كان بدهيا.

5- القلق: ويكون السوق في هذه المرحلة قد تراجع ولكنك ما زلت على أمل بأنه سيعاود الارتفاع، ولكنك متخوف، وبدأت تقتنع بأنه ليس من السهل الحصول على أرباح سريعة كما حدث في المراحل السابقة. وهنا تبدأ التفكير في مستقبل استثمارك.

6- الإنكار: السوق تراجع إلى مستوى سعري أقل من المرحلة السابقة وأنت لا تصدق ما حدث، ولكنك تقول لنفسك بأنك ما زلت رابحاً وتقنع نفسك بأنك مستثمر طويل الأجل، ولكن في الوقت نفسه تخشى على استثمارك. وبدأت تقتنع بأن الاستثمار ليس سهلاً كما توقعت وأن مستقبل استثمارك في خطر. كما أنه في هذه المرحلة، كل من حالفه الحظ في الخروج في المرحلة السابقة وهم قليل، يعودون للشراء بكامل طاقتهم حيث إن المستويات السعرية الحالية مغرية، وكذلك يقوم البعض ممن اشتروا في الغلاء بمحاولة تعديل السعر بشراء كميات أخرى.

7- الخوف: وهنا يكون السوق قد تراجع بشكل كبير وبدأت تقتنع بأنك في خطر ويبدأ معك مغص البطن المصاحب للخوف وخصوصا من لديهم تسهيلات. ولكن يبقى لديك أمل بأن السوق سيعود وأنه لن يخيب ظنك، فجميع المؤشرات بحسب ظنك، تقول إنه سيعود، وخصوصا عندما يخرج صناع السوق عبر وسائل الإعلام ويقولون ''لا تبيعوا، اشتروا الأسهم سهم سهم .. شركة شركة .... إلى الأمام''، وهم في الحقيقة يبيعون أسهمهم.

8- اليأس: أنت الآن في مرحلة خطرة جدا'' وقد خسرت أرباحك وبدأت الخسارة تأكل من رأس المال، وهنا تبدأ المشاعر بتولي القيادة نيابة عن العقل. ويبدأ المغص بتنغيص حياتك، ولكنك تقول ''يا بها يا بقطع أرقابها''.

9- الهلع أو الذعر: بدأت تلاحظ أن الناس بدأت تبيع من شدة الذعر وبدأت البنوك تبيع لمن لديهم تسهيلات. وتبدأ بمشاركة همومك لمن وقع في الفخ مثلك، وتطالب بأمور غير منطقية، كأن تتدخل الدولة أو كبار رجال الأعمال لإنقاذ السوق. وفي هذه المرحلة يشتد القلق على مدخراتك وتكره اليوم الذي قررت فيه الاستثمار.

10- الاستسلام: في هذه المرحلة وبعد البيع المكثف، وبعد أن انخفضت قيمة التداول بما يقارب 80 في المائة، تقول لنفسك ''لماذا لم أبع مثل غيري'' وتتذكر المثل الذي يقول ''اعقل حلالك لو بنصفه''.

11- الكآبة: هنا اقتنعت بأن الاستثمار ليس بالأمر السهل ولم يكن مجالك وتبدأ بلوم نفسك وتقول ''لو أنني تركت أموالي في البنك دون استثمار لكان أفضل، أو لو اشتريت منزلا أو سيارة لكان أجدى''، ولكن لا ينفع الندم.

12- اليأس: بعد انخفاض الأسعار والتداول إلى مستوى غير منطقي، تفقد الأمل في عودته. وأفضل ما في هذه المرحلة أنك تبدأ بالتخلص من مغص البطن المزمن. وتقول لنفسك ''هذا هو القدر ولا مفر منه، وهناك من هو في وضع أسوأ مني، فالحمد الله''
13- الأمل: في هذه المرحلة تكون الأسعار قد ارتفعت نوعا ما، وتأمل في أن يستمر التحسن ولكنك لا تثق بالسوق ولا تدري إلى أين سيذهب.

14- الارتياح: بدأ السوق بالتعافي وعاد إليك بعض من أموالك التي خسرتها.

التفاؤل: وهنا تعود الدورة من جديد وهي بداية المراحل الأربع عشرة السابقة.

ويجب العلم بأن هذه المراحل تكون على مدى دورو اقتصادية كاملة من 5 إلى 10 سنوات تقريباً، وفي الرسم البياني المراحل والوقت الخاص بسوق الأسهم الأمريكي، ولكن لا يمكن تطبيق المدة نفسها في أي سوق آخر أو حتى في السوق نفسه مستقبلا وذلك لاختلاف الظروف. كما يجب العلم بأن المستثمرين تضرروا بدرجات مختلفة، فمن استثمر في المرحلة الثانية ليس كمن استثمر في المرحلة الرابعة، ومن استثمر بأمواله ليس كمن استثمر بالتسهيلات.

والأهم في معرفة المراحل أعلاه وعند الاستثمار عموماً، هو تحكيم العقل لا المشاعر وإلا فالخسارة حليفك في معظم الأحيان.

والسؤال المهم هنا، هل يمكن أن نشتري في المرحلة الأولى ونبيع في المرحلة الرابعة، والجواب هو ''لا يمكن بأي حال من الأحوال''. ولكن ما يمكن عمله هو الخروج قبل تدهور السوق بمرحلة أو مرحلتين وخصوصا عند تحقيق ربح، وكذلك الحد من خسارتك بعد انخفاض السوق بمرحلة أو مرحلتين.

والدروس المستفادة من المراحل أعلاه:
- لن تستطيع أن توقت للسوق: أي أن تشتري في القاع وتبيع في القمة، ولكن الأفضل أن نبيع ولو استغنينا عن بعض الربح، فهو أفضل من الاستغناء عن الربح بأكمله. وكذلك الخسارة، فلو قبلنا بجزء بسيط أفضل من خسارة المال كاملا.

- وضع خطة للاستثمار: متى يكون الدخول ومتى يكون الخروج، سواء الخروج بربح أو بخسارة.

- تحكيم العقل والانضباط في اتخاذ القرارات: فعند تحكيم المشاعر لا يمكن أن تضبط نفسك.

- الحد من الخسارة: لا ينبغي أن تنشغل بالربح فالربح جيد بجميع أنواعه ومقاساته وأحجامه، ولكن ينبغي أن تهتم بالخسارة ووضع حد لها.

إفصاح الكاتب: النصائح أعلاه هي عبارة عن نصائح مستقاة من كتب ومن تجربة شخصية ولا يجوز الاعتماد عليها في اتخاذ أي قرار استثماري، كما أنها لا تغني عن الاستشارات التي تقدم من أهل الاختصاص. وإنما هي معلومات يمكن الاستنارة بها عند اتخاذ القرار الاستثماري أو عند مناقشة المستشار المالي.

مع تمنيات للجميع باستثمارات ناجحة..

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي