إقرار قانون الرهن العقاري سيكون دبوس الفقاعة

في خضم هذا الضجيج من الآراء حول الواقع السكني في المملكة العربية السعودية والنقاش عن حجم الطلب والعرض وعن توجهات السوق المستقبلية، وفي خضم حالة التعتيم التي كنا نعيشها خلال السنوات الأخيرة كمستثمرين وكمستهلكين لعدم وجود أي بيانات عن السوق العقارية من مصادر موثوقة يمكن أن يُعتمد عليها، صدر هذه السنة تقريران من مصادر موثوقة ومحايدة لتخمد هذا الضجيج، ولتزيل عن أعيننا الغشاوة. أول هذه التقارير هو تقرير الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، الذي نُشر في مجلة "تطوير" العدد 62 لعام 1431هـ، ولقد ناقشنا هذا التقرير في صحيفة «الاقتصادية» في مقال بعنوان احتكار الأراضي سبب رئيس في تفاقم الأزمة الإسكانية في الرياض في العدد رقم 6343 بتاريخ 22 شباط (فبراير) 2011. أما التقرير الثاني الذي نحن بصدد مناقشته اليوم، فهو صادر عن البنك السعودي الفرنسي بتاريخ 20 آذار (مارس) 2011.

وقبل أن نتطرق إلى هذا التقرير فإنه يجب علينا أن نشكر هيئة تطوير مدينة الرياض والبنك السعودي الفرنسي على إعداد مثل هذه التقارير، وجعلها في متناول الجميع لتعم الفائدة.

#2#

#3#

ملخص التقرير

تحتاج السوق العقارية في المملكة العربية السعودية إلى 1.65 مليون وحدة سكنية بحلول عام 2015، لتلبية الطلب المتزايد على المساكن بسبب نمو شريحة الشباب وانخفاض متوسط حجم الأسرة السعودية. لذا قد يستمر النقص في معروض المساكن. وذكرت دراسة البنك السعودي الفرنسي أن قانون الرهن العقاري قد يحفز نمو السوق العقارية في المدى المتوسط. لكن التحدي المتمثل في تعزيز قدرة المواطنين على شراء مساكن سيظل قائماً بسبب عدم تناسب أسعار العقارات الحالية مع مداخيل معظم المواطنين، حيث إن التكاليف الباهظة للأراضي السكنية تحد من قدرة ذوي الدخل المحدود والمتوسط على بناء وشراء مساكن. وترى الدراسة أن سيناريو سوق العقارات السكنية في المدى القصير معقد الأمر الذي قد يحول دون تعزيز قدرة الشباب السعودي على بناء وشراء مساكن.

وفي ظل أسعار المساكن ومستويات الأجور والرواتب الحالية، أصبح شراء مسكن بعيداً عن متناول الكثير من المواطنين، لاسيما ذوي الدخل المحدود والمتوسط للعاملين في القطاع الخاص والعام، على حد سواء. وليتمكن المواطن السعودي من شراء فيلا مساحتها 300 متر مربع، يجب أن يكون دخله الشهري نحو 23 ألف ريال إذا كان في مدينة الرياض، و29 ألف ريال في جدة أو 14500 ريال في المنطقة الشرقية. وأن متوسط الراتب الشهري النموذجي للمواطن السعودي هو 8 آلاف ريال، بينما متوسط الراتب لمعظم موظفي القطاع العام هو 5699 ريالا شهرياً. أما بالنسبة لنسبة مالكي السكن بين السعوديين حالياً هي 30 في المائة، وأعمار ثلثي المواطنين تقل عن 30 عاما، و46 في المائة منهم تقل أعمارهم عن 20 عاماً. كما أشارت الدراسة إلى أنه انخفض متوسط عدد أفراد الأسرة من 7.4 إلى 5.65 فرد، الأمر الذي زاد من عدد الباحثين عن مساكن أصغر وأرخص. وترى الدراسة أن أسعار الأراضي تمثل تحدياً حقيقياً فقد سجلت ارتفاعات حادة خلال العقد الماضي، حتى وصلت إلى أكثر من نصف تكلفة العقار الكلية. كما ترى الدراسة أن البنوك السعودية لا تقدم قروضاً سكنية إلا إلى المواطنين الميسورين، لذا لم تسهم في تعزيز القدرة التمويلية للمواطنين ذوي الدخل المحدود أو المتوسط، وأن القرض المقدم من صندوق التنمية العقاري لا يكفي لشراء أرض وبناء منزل. وتقول الدراسة إن الحكومة السعودية تعتزم إضافة مليون وحدة سكنية بحلول عام 2014، وسيشارك القطاع الخاص ببناء معظم الوحدات السكنية المطلوبة، كما ستتبنى الخطة الخمسية التاسعة تخصيص نحو 266 مليون متر مربع من الأراضي لتنفيذ مشاريع سكنية.

#4#

#5#

#6#

وتضيف الدراسة أنه رغم أن المبيعات على المخطط هي من الحلول إلا أنها قد تتسبب في موجة من المضاربات وتكوين فقاعة عقارية كما حدث في دبي. وأنه بسبب غياب قانون رهن عقاري واضح يحكم امتلاك العقارات وإعادة امتلاكها، ويفرض مصادرة العقارات وطرد مالكيها منها في حال تجاوزهم للقانون، أحجمت البنوك السعودية عن توسيع نشاطها في مجال الائتمان العقاري. ويجب على البنوك الحد من مخاطر الإقراض بعدم إقراض المواطن أي قرض تكون حجم أقساطه الشهرية أكثر من 40 في المائة من دخله. وترى الدراسة أن تحقيق الغاية المرجوة من إقرار الرهن العقاري برفع نسبة تملك المواطنين للمساكن قد يستغرق بعض الوقت. فقد سنت مصر قانون الرهن العقاري في عام 2001، وبعد عقد من الزمن، ظل نمو قطاعها العقاري ضعيفاً. وكانت العقبة الرئيسة هي ضعف الدخل وزيادة تكاليف التمويل.
الحلول المقترحة

يرى التقرير أن إقرار الرهن العقاري لن يكون حلاً كافياً للأزمة، وخير مثال على ذلك جمهورية مصر العربية، ويقترح حلولا أخرى منها:

- إبقاء معدل فوائد القروض دون مستويات الإيجارات لتفادي عزوف المشترين المحتملين عن الإقراض لبناء وشراء بيوت والتحول إلى الاستئجار.

- يجب على البنوك أن تزيد من مدة القرض إلى 25 سنة، بهدف تخفيف أعباء الإقساط الشهرية.

#7#

- تخفيض سعر الفائدة وجعله على المبلغ المتبقي وليس على مبلغ القرض كما هو الآن
.
- يجب أن توفر الحكومة مساحات شاسعة من الأراضي السكنية لخفض أسعارها إلى مستويات في متناول عامة الشعب.

- توفير المرافق والخدمات الأساسية والبنى التحتية في المدن الرئيسة، حيث إن 77 في المائة من الأراضي السكنية الداخلة ضمن النطاق العمراني في مدينة الرياض هي أراض خام.

- منح مساحات شاسعة من الأراضي إلى المؤسسة العامة للتقاعد والتأمينات الاجتماعية وصندوق الاستثمارات العامة لكي يساهموا في توفير مساكن.

قراءة لملخص الدراسة

رغم أن الدراسة لم تفرق بين الطلب والحاجة كما فرقت دراسة هيئة تطوير مدينة الرياض بينهما، إلا أنه في التفصيل ذكرت الدراسة بأن هناك حاجة لشراء سكن ولكن لا يوجد قدرة، وهذا كما ذكرنا سابقاً لا يجوز أن نطلق عليه طلباً حقيقياً إلا إذا صاحبت الحاجة قُدره على الشراء.

الملخص أعلاه لا يحتاج إلى شرح أو تفصيل فهو يُعبر بشكل واضح عن وضع الإسكان في السعودية، ولكن هناك بعض الأمور التي يجب التركيز عليها.

أولاً: ''حاجة السوق العقارية إلى 1.65 مليون مسكن، هي حاجة وليست طلباً، ولن يتحول إلى طلب إلا في حالتين، الأولى زيادة دخل المواطن بنسبة 150-300 في المائة وهذا مستحيل إلا أن يشاء الله، والثانية أن تنخفض أسعار الأراضي إلى أسعارها الطبيعية، أي بنحو 50 - 60 في المائة.

ثانياً: المعادلة صعبة فهي، دخل ضعيف و أسعار أراض مرتفعة مما يعني استمرار الإيجار، ولا يمكن أن يكون الناتج تملك مسكن من هذه المعادلة، إلا بتدخل من الدولة.

تدخل الدولة يكون كما ذكرنا في المقال السابق والمنشور في صحيفة ''الاقتصادية'' بتاريخ 20 آذار (مارس) 2011 بعنوان ''10 حلول للأزمة الإسكانية في السعودية.. أبرزها منع احتكار الأراضي''، ويكون بالعمل على زيادة المعروض من المساكن والأراضي وتطويرها والقضاء على احتكارها، إضافة إلى حلول أخرى ذكرناها في المقال.

ثالثاً: الرهن العقاري هو محفز ومساعد للبنوك على الإقراض، حيث إنه يضمن لهم بأن يقوموا بطرد المواطن بعد إنذاره وبيع البيت في المزاد، وملاحقته قانونيا لدفع بقية الأقساط في حالة بيع المسكن بقيمة أقل من القرض. لذلك يجب أن يكون البنك والمواطن حذرين. البنك بأن لا يقرض المواطن فوق طاقته، والمواطن لا يقترض إلا في حدود دخله، وإلا فإن البنك والمواطن سيخسران.

رابعاً: اتفق التقرير مع تقرير هيئة تطوير مدينة الرياض على أن المواطن أصبح يبحث عن بديل أصغر وأرخص مثل الشقق السكنية، وهذا كما ذكرنا سابقاً، سوف يُغير من معادلة العرض والطلب حيث إنه يعني طلبا على مساحات أقل من الأراضي وذلك بسبب زيادة الكثافة السكانية في كل ألف متر مربع.

خامساً: أشار التقرير إلى أن قيم الشقق السكنية وصلت إلى 500 ألف ريال، وذلك يعني أن قيمتها مع مصروفات القرض وفوائده ستصل إلى ما يقارب مليون ريال، أما بالنسبة للفيلا 300 متر فستصبح قيمتها مع مصاريف القرض نحو ثلاثة ملايين ريال تقريباً.

والسؤال البدهي هو، إذا كانت أعمار 50 في المائة من الشعب السعودي تقل عن 25 عاماً، وإذا كنا نراهن على أن هذه الفئة هي من سيزيد الطلب على العقار، هل سألنا أنفسنا عن ما إمكانية أن يجدوا وظائف أم لا، وإن وجدوا، فكم سيكون الراتب، وخصوصاً أن الموظفين الحاليين والذين لديهم خبرة، رواتبهم لا تزيد على 5700 ريال؟

يقولون ''كل ما بني على باطل فهو باطل''، لقد أقنعنا أنفسنا بأن لدينا طلبا كبيرا على العقار وارتفعت الأسعار على هذا الأساس، وقد بنينا توقعنا هذا على افتراض أن النسبة العظمى من الشباب سيجد وظيفة تجعلهم قادرين على شراء منازل، بينما نحن حالياً نعاني بطالة في الجيل الحالي فما بالنا بالجيل القادم. كما أننا بنينا توقعاتنا على أنه وإن وَجدَ الشاب وظيفة فإن دخله سيكون إما 23 ألف ريال ليتمكن من شراء فيلا 300 متر مربع، أو 9500 ريال ليتمكن من شراء شقة، وهذا مستحيل إلا أن يشاء الله. والسؤال هو، هل كان توقعنا في زيادة الطلب باطلاً من الأساس ولا يوجد طلب بهذا الحجم ولكن يوجد حاجة فقط؟
يجب أن نُعيد حساباتنا ونسأل أنفسنا: كم حجم الطلب الحقيقي، أو بمعنى آخر كم عدد من لديهم قدرة على شراء مسكن من إجمالي الـ 1.65 مليون طلب المذكور في الدراسة حتى بعد إقرار الرهن العقاري؟ والإجابة وبموجب الدراسة، هي أن معظمهم ليس له قدره أي ما يزيد على 80 في المائة. وبعملية حسابية بسيطة نجد أن حجم الطلب الجديد بعد تحكيم العقل لا يتجاوز 330 ألف وحدة سكنية إلى عام 2015، أي بمعدل 66 ألف وحدة سكنية سنوياً وذلك في جميع مدن المملكة.

وقراءتي للسوق بعد قراءة هذه الدراسة، أنه بعد إقرار الرهن العقاري، سيكون هناك إقبال على شراء الشقق والفلل التي تقل مساحتها عن 350 مترا وقيمتها تقل عن 1.5 مليون ريال، وذلك مِمن دخولهم جيدة نوعا ما ولديهم مدخرات، وبعد أن تنتهي هذه الشريحة سيقل الطلب على الفلل الصغيرة ويستمر الطلب على الشقق. أما بالنسبة للفلل التي تتجاوز قيمتها 1.5 مليون ريال فستجد صعوبة في تسويقها. وأما بالنسبة للأراضي، فسيستمر المضاربون في الشراء خلال هذه الفترة ومن ثم التوقف. وبعد ذلك، هناك احتمال أن تنفجر الفقاعة العقارية، وما زلت أقول إن هناك احتمالا بأن إقرار قانون الرهن العقاري سيكون دبوس الفقاعة، وذلك بعد إقراره بفترة لا تزيد على سنة. أما في حالة تدخل الدولة للحد من ارتفاع أسعار الأراضي وزيادة المعروض والبدء في تسليم وحدات سكنية عبر وزارة الإسكان، فإن هذا أسرع حل وسيسهم في حل المشكلة خلال أسابيع أو أشهر من صدوره.

وختاماً، أقول إن رأينا صواب يحتمل الخطأ ومن أتى بأحسن منه قبلناه، ولكن بشرط أن يكون مستنداً إلى الدراستين المذكورتين أعلاه أو أي دراسة تكون من مصدر محايد موثوق به.

إفصاح الكاتب: أقر بأن ما كتب أعلاه هو رأي شخصي معرض للصواب والخطأ ولم أتقاض عليه أي أجر، كما أنه لا يجوز الاعتماد عليه في اتخاذ أي قرار استثماري.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي