مجلس التعاون والأردن والمغرب «وجهة نظر أخرى»
في العاشر من أيار (مايو) الماضي أشار البيان الختامي لاجتماع القمة التشاورية للمجلس في الرياض إلى إمكانية انضمام كل من الأردن والمغرب إلى هذا المجلس العتيد الذي أنشئ في مدينة أبو ظبي في أيار (مايو) 1981. وقد قوبل هذا الإعلان بترحيب حار من الأوساط الأردنية الرسمية والشعبية وبترحيب حذر من قبل مختلف الأوساط المغربية، كما عكست ذلك البيانات الرسمية والتقارير الصحافية. أما في مجلس التعاون فقد راوحت الردود غير الرسمية كما عكستها وسائل الإعلام، بما في ذلك الشبكة العنكبوتية، بين الرفض والسخرية.
قبل النظر إلى الجوانب الإيجابية والسلبية. لإمكانية تنفيذ هذا الإعلان لا بد من ملاحظة الجوانب القانونية التالية:
1 - تنص المادة الخامسة من النظام الأساسي على أن مجلس التعاون "يتكون من الدول الست التي اشتركت في اجتماع وزراء الخارجية في الرياض بتاريخ 4/02/1981"، وعليه فإن توسيع عضوية المجلس تتطلب تغيير هذه المادة من النظام الأساسي للمجلس.
2 - تنص المادة الخامسة والعشرون من الاتفاقية الاقتصادية الموحدة التي أقرها قادة دول المجلس في تشرين الثاني (نوفمبر) 1981 على أنه "لا يجوز أن تمنح دولة عضو أية ميزة تفضيلية لدولة أخرى غير عضو تفوق تلك الممنوحة في هذه الاتفاقية"، وقد أكد على هذا المبدأ في المادة الحادية والثلاثين من الاتفاقية الاقتصادية التي أقرها قادة دول المجلس في كانون الأول (ديسمبر) 2001، والتي تعتبر تطويراً لسابقتها، حيث تضمنت أنه "لا يجوز أن تمنح دولة عضو أية ميزة تفضيلية لدولة أخرى غير عضو تفوق تلك الممنوحة في هذه الاتفاقية، أو أن تبرم أي اتفاق يتعارض مع أحكام هذه الاتفاقية".
والمعروف أنه من ضمن العوائق الخمسة لاستكمال الاتحاد الجمركي بين دول المجلس وجود اتفاقية للتجارة الحرة بين الولايات المتحدة من جهة وكل من البحرين وعمان من جهة أخرى. ولدى كل من الأردن والمغرب اتفاقيات تفضيلية مع الاتحاد الأوروبي وغيره من الدول تفوق الجوانب التفضيلية في بعضها تلك الواردة في اتفاقيتي التجارة الحرة بين كل من البحرين وعمان من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى، ناهيك عن بعض الامتيازات التفضيلية التي تفوق بعض القواعد التنفيذية للاتفاقية الاقتصادية بين دول المجلس. ولا بد من إيجاد حلول قانونية وعملية لمعالجة هذا الموضوع. وقد يكون ذلك فرصة لوضع اتفاقيات جماعية بين المجلس وهاتين الدولتين من جهة، وكل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى.
3 - قطعت دول المجلس شوطاً كبيراً في تكاملها الاقتصادي بما في ذلك:
أ - استكمال منطقة التجارة الحرة منذ عام 1983.
ب – توحيد التعرفة الجمركية تجاه العالم الخارجي منذ عام 2003 تمهيداً لتطبيق الاتحاد الجمركي.
ج – تحقيق المواطنة الاقتصادية، بما في ذلك المعاملة الوطنية للأشخاص الطبيعيين والاعتباريين عند ممارسة الأنشطة الاقتصادية وحرية التنقل بالبطاقة الشخصية.
د – الاقتراب من مرحلة السوق المشتركة عندما يستكمل الاتحاد الجمركي وتقر المساواة الكاملة في مجال المعاملة الوطنية.
هـ - البدء في أولى مراحل الاتحاد النقدي.
و – توحيد كثير من القوانين والمواصفات والمقاييس... إلخ.
وفي حالة إقرار انضمام كل من الأردن والمغرب إلى مجلس التعاون لا بد من وضع برنامج زمني طويل الأمد نسبياً لملاءمة أوضاع كل من هاتين الدولتين الشقيقتين مع الخطوات التي قطعها مجلس التعاون لتحقيق تكامله الاقتصادي.
بشكل عام لا بد من الإشارة منذ البداية إلى أنه لا يتوقع أن يكون لهذه الخطوة أية جوانب سلبية في المجالات التالية:
1 - لا يمكن أن يؤدي هذا القرار إلى إضعاف العمل الاقتصادي العربي المشترك في إطار جامعة الدول العربية، لأن مجلس التعاون أثبت خلال الـ 30 عاما الماضية أنه أكبر داعم لجامعة الدول العربية.
2 – قد تسهم مقاربة مجلس التعاون من الاتحاد المغاربي في تنشيط هذا الاتحاد وإيقاظه من سباته الطويل.
3 – لا أتصور أن المقصود بهذه الخطوة حصر مجلس التعاون في الدول الملكية الوراثية لأن عضوية المجلس كانت متاحة لليمن. كما لا أتصور أن هذه الخطوة موجهة ضد أية دولة عربية أخرى بما في ذلك بقية أعضاء الاتحاد المغاربي، لأن مجلس التعاون ديدنه المحافظة على علاقات الأخوة والصداقة في محيطه الإقليمي وليس خلق العداوات، لأن السلام والوئام والرخاء في المحيط الإقليمي شرط لاستمرار السلام والوئام والرخاء داخل دول المجلس.
4 – لا يمكن أن تكون هذه الخطوة رد فعل لما يحصل في الدول العربية التي تشهد تغيرات سياسية وديمقراطية، لأن دول مجلس التعاون بادرت بالالتزام بتقديم مزيد من الدعم المالي والسياسي لهذه الدول.
دعونا الآن ننظر إلى ما يمكن أن تجلبه هذه الخطوة من إيجابيات لمجلس التعاون:
1 – إن لدى كل من الأردن والمغرب أجهزة بيروقراطية عريقة ومدربة في مختلف المجالات يمكن أن تنتقل خبراتها وتجاربها لدول مجلس التعاون بما في ذلك فرض الضرائب والإدارة الاقتصادية بإمكانات محددة.
2 – إن لدى الدولتين تجارب ديمقراطية ومؤسسات متطورة للمجتمع المدني حفظتها من الصدمات العنيفة التي نشاهدها حالياً في دول عربية أخرى. يمكن أن تستفيد دول المجلس من هذه التجارب.
3 – تتمتع هاتان الدولتان باتصالات وعلاقات متطورة مع المؤسسات الإقليمية والدولية كالمؤسسات الأوروبية بما في ذلك المفوضية الأوروبية في بروكسل ومنظمة العمل الدولية ومنظمات حقوق الإنسان ومنظمة التجارة العالمية... إلخ. كما ترتبط بعلاقات تعاقدية مع هذه المنظمات. وعليه يمكن لدول المجلس أن تستفيد من هذه العلاقات، أخذاً في الاعتبار أن لدى دول المجلس اتصالات رسمية مع المفوضية الأوروبية منذ عام 1986، ولم تستطع دول المجلس الوصول إلى تفاهم مشترك حول مشروع اتفاقية للتبادل التجاري الحر مع هذه المجموعة.
4 – لدى هاتان الدولتان كوادر متعلمة ومدربة لا تستوعبها سوق العمل المحلية، كما أن دول المجلس التي تستضيف حالياً ما يزيد على 13 مليون عامل غير مواطن ما زالت تحتاج إلى خبرات هذه الكوادر، وهذا سيزيد من التحويلات لهاتين الدولتين وبالذات المغرب الذي تصل نسبة تحويلات مواطنيه العاملين في الاتحاد الأوروبي إلى 90 في المائة من مجمل التحويلات.
5 – في الوقت الذي يتعرض فيه الاستثمار عموماً والخليجي بشكل خاص لمزيد من المخاطر في السوق الدولية نتيجة للأوضاع الاقتصادية غير المستقرة، يمكن أن تسهم علاقات التقارب بين دول المجلس وهاتين الدولتين في إضفاء المعاملة الوطنية على الاستثمارات الخليجية، مما يمنحها مزيداً من الاستقرار ويوفر مزيدا من الاستثمارات غير الوطنية في هاتين الدولتين، ويزيد بالتالي معدلات النمو الاقتصادي لكل منهما.
6 - من ضمن الأولويات الحالية لدول مجلس التعاون توفير الأمن الغذائي. يمكن أن تسهم هذه الخطوة في سد جزء من العجز الغذائي في دول المجلس. ولدى المغرب بشكل خاص إمكانية المساهمة الإيجابية في هذا المجال لأن لديها قطاع زراعي متطور يساهم حالياً بما نسبته 17 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي ويستوعب 42 في المائة من العمالة الوطنية.
7 – إن 60 في المائة من مجمل تجارة المغرب (تصدير واستيراد) تتم مع الاتحاد الأوروبي بسبب القرب الجغرافي والاتفاقيات التجارية التفضيلية. وفي الوقت الذي يجب فيه تشجيع التجارة لاية دولة مع العالم الخارجي إلا أن وجود ربط اقتصادي مماثل للمغرب مع محيطها العربي سيقوي علاقاتها الأخوية مع هذه الدول وينوعها ويسهم بالتالي في "العودة إلى الأصول".
أول أمين عام مساعد للشؤون الاقتصادية لمجلس التعاون