شكرًا خالد الفيصل بن عبد العزيز

في الأسبوع الماضي، قدم الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة مبادرة وتجربة في الإدارة المحلية والتنمية يستحق أن يشكر عليها، كما يجب التوقف عندها وسبر أغوارها والاستفادة منها من قبل كل المهتمين بالتنمية بصفة عامة وتنمية المناطق بصفة خاصة.
وقبل الدخول في ذلك، فليسمح لي القراء الأعزاء أن أتطرق إلى شخصية الأمير التنموية، التي هي محور وهدف هذا المقال، وذلك حتى تكتمل الصورة ويتم فهم ما يدور. الأمر عند الأمير ليس شطحة حصلت في لحظة ما، إنما نابعة من منظومة متكاملة وخطوات وأفعال متراكمة نتجت عن رؤية واضحة ومعرفة ومخزون ثقافي كبير يعرفه عنه الجميع. خالد الفيصل رمز من رموز التنمية في المملكة مثلما هو رمز في الثقافة والفكر قدم الكثير فأبدع وتميز، وسخر قدراته وكفاءته في خدمة القيادة والوطن. قام بالكثير من المبادرات في مجال التنمية والإدارة المحلية خلال أكثر من 30 سنة، لا بد لكل منصف ومهتم بالشأن التنموي أن يقدرها له ويشكره عليها، حيث لم يقف عاجزًا عن مواجهة المشكلات والمعضلات، ولم يقنع بالحلول التقليدية، إنما كان يحول الأحلام إلى واقع مشاهد، ويؤمن بالمبادرات الطموحة غير التقليدية. لم يؤمن بالفشل، ولم يخشَ الأخطاء؛ لأنه وضع أمام عينه (وقال ذلك كثيرًا) أن من يعمل لا بد أن يخطئ. وهذا المبدأ هو جوهر نظرية العمل المنتجة، فالفاشلون فقط هم من يبقون في الظل ولا يرغبون في غير الأعمال التقليدية التي لا تقدم ولا تؤخر، ويعدون الأيام على أمل أن تنتهي دون أن يخطئوا ومن ثم يسألوا، إنه رعب اتخاذ القرار الذي ترتعد أمامه فصائل الضعفاء والجبناء.
وهنا دعونا نسترجع بعض الماضي، ونبين من بين ثناياه ما يهمنا في هذا المقال من شخصية خالد الفيصل، ألا وهو البعد التنموي ومفاهيم الإدارة المحلية. لقد قدم الأمير خالد الفيصل عندما كان أميراً لعسير مثالين رائعين سابقين لعصرهما. أولهما نظرته الثاقبة لأهمية وجود الدور الوظيفي للمنطقة وضرورة صياغة المشاريع والبرامج بما يخدم ذلك، حيث صاغ استراتيجية للتنمية السياحية، واعتبر السياحة صناعة قادرة على توفير الفرص الوظيفية وإيجاد الدخول المحركة للاقتصاد المحلي ومن ثم الاقتصاد الوطني. وفي تلك الفترة كان ذلك أمراً خيالياً يصنف ضمن الأحلام الوردية التي لا يمكن أن توضع على أرض الواقع. وكان أكثر المتعاطفين معه هم من يلومونه بلطف على إدخال نفسه في أمر غير منطقي وغير مقبول. وما هي إلا سنوات قليلة إلا وصناعة السياحة هي قمة النشاط الاقتصادي في عسير بوجه خاص، وضمن الأنشطة الاقتصادية المهمة على مستوى الوطن بوجه عام.
أما الأمر الآخر المرتبط بالإدارة المحلية فهو إنشاؤه إدارة للتنمية السياحية ضمن الهيكل الرسمي للإمارة واعتماده من الجهات المختصة في مبادرة غير مألوفة، وبذا أطلق نهجاً مهماً في عمل إمارات المناطق وعدم اقتصارها على الجوانب الإدارية والأمنية.
هذان المثالان في التنمية والإدارة المحلية يوضحان الكيفية والمنهجية التي يفكر بها خالد الفيصل للقيام بمسؤولياته، حيث نجد النظرة الشمولية والبعد التنموي، كذلك المبادرة والجرأة في اتخاذ القرار.
وبالعودة إلى محور مقال هذا اليوم المتمثل في تحليل حدث الأسبوع الماضي وفهم مدلولاته عندما عقد مجلس منطقة مكة المكرمة جلسته وتشرف الجميع برئاسة الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لمجلس الوزراء وزير الداخلية هذه الجلسة. في هذه الجلسة المميزة كانت هناك رؤية ومنهج إداري وتنموي جديد قدمه خالد الفيصل لم يكن مألوفاً لدى المتابعين لإدارة التنمية الإقليمية في المملكة، لقد تم تقديم تقرير متكامل عن مشاريع المنطقة خلال أربع سنوات (هي الفترة الزمنية الأولى لتولي الأمير خالد مسؤولية إمارة المنطقة) ضمن ثلاثة تصنيفات هي: مشاريع تم الانتهاء منها، ومشاريع ما زال العمل جاريًا فيها، ومشاريع متعثرة. فما الدروس أو الرسالة الموجودة في هذا النهج؟ وما أهمية ذلك للمهتمين بقضايا الإدارة المحلية والتنمية الإقليمية؟ إنها - في رأيي - تتمثل في أمور عدة، منها:
1- الشفافية الواضحة في عرض المعلومات بسلبياتها وإيجابياتها، وهذا مطلب ينادي به الجميع الآن، فلا مكان للعمليات التجميلية، إنما يجب إظهار الحقائق كما هي.
2- مبدأ الشراكة في إعداد التقرير، حيث تعاون الكثير في إعداده وتقييمه وصحة معلوماته من منسوبي القطاع الحكومي والقطاع الخاص والمجتمع المدني والشخصيات المهمة من أساتذة جامعات وإعلاميين ومجموعات شباب. وهنا تحققت فائدتي مشاركة المجتمع المحلي، وكذلك رفع كفاءة صحة المعلومات فلا أحد له مصلحة خاصة، إنما الهدف إظهار الحقيقة وحسب ما سمعت أنه في سبيل إعداد التقرير عقد أكثر من 40 ورشة عمل.
3- ربط التقرير ببعد زمني قدره أربع سنوات وكأنه كشف حساب يقدمه الأمير ليقول للجميع هذا ما عملت خلال الفترة الأولى من تكليفي من القيادة. بمعنى آخر إنه رسالة تقول على كل مسؤول أن يقدم برامج واضحة للفترة الزمنية التي يتولى فيها المسؤولية، ولا يترك الأمر مفتوحاً دون حسيب أو رقيب.
4- دعوة أكبر عدد ممكن من أهالي المنطقة لحضور الجلسة، وكذلك إيصاله للبقية عن طريق وسائل الإعلام المختلفة. وهنا تتحقق إيجابية أخرى، وهي أن من حق المواطنين أن يكونوا على بينة مما له علاقة وتأثير في حياتهم، وبذا يمكنهم (أي المواطنون) اتخاذ قراراتهم الاستثمارية والمعيشية على قدر كبير من المعلومة التي هي مطلب ''السلوك الرشيد'' في نظريات الاقتصاد.
إنها مميزات وخطوات في ممارسة الإدارة المحلية السليمة، وفي مفاهيم التنمية سيسجل للأمير خالد الفيصل فيها الريادة وفتح الباب لخطوات أخرى أكثر انفتاحاً وتفاعلاً مع العالم الجديد.
شكراً يا صاحب السمو على هذه المبادرات الخلاقة، وجزاك الله خيراً على تحملك المسؤولية بكل ما أوتيت من قدرة وضمير حي. شكراً لكل مسؤول أو مواطن في أي بقعة من المملكة من ''شمالها'' إلى ''جنوبها'' يعمل بإخلاص وتفان لتعزيز اللحمة الوطنية وتنفيذ توجهات وتوجيهات القيادة لما فيه خير الوطن والمواطنين.

ماذا لو؟
ماذا لو خطت وزارة المالية خطوة جديدة في تعزيز التنمية، وذلك بأخذ البعد المكاني في الميزانية العامة، وأصبح لكل منطقة من مناطق المملكة ميزانية مستقلة تعطيها حرية الحركة، وتقلل من هيمنة الأجهزة المركزية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي