المقاطعة والحاجة إلى التشريعات
يبدو أن المقاطعة الشعبية للمنتجات والشركات والبرامج و... أقول إن هذا النمط الشعبي في التعاطي مع القضايا ذات العلاقة المباشرة بالمواطن أصبح متطورا بشكل كبير على مستوى التواصل، بمعنى أن الحملات أصبحت أكثر تنظيما باستخدام التقنيات التواصلية، خصوصا الإنترنت، وقد تكون عاطفية بشكل أكبر من أنها عمل مؤسسي.
هذا النمط ذكرني كثيرا بما كان (وما زال) غائبا عن الساحة الشعبية عندما قمنا بالعمل على أول دراسة عن تعاطي الشركات السعودية مع مفهوم المسؤولية الاجتماعية ونشرت الدراسة في عام 2005، وكان من أهم نتائج تلك الدراسة غياب الضغط الشعبي على الشركات، بمعنى أن قرارات المستهلكين في شراء السلع لم يكن يأخذ في الاعتبار مساهمات الشركات في المشاريع الاجتماعية، إنما كان السعر المفصل الحقيقي لقرارات الشراء للمنتجات. كذلك توصلت الدراسة إلى نتائج كثيرة ذات علاقة بمفهوم المسؤولية الاجتماعية، لكن ما يهمنا في هذا المقال هو الوعي أو الضغط الشعبي.
الحديث أخيرا عن مقاطعة بعض شركات الألبان بسبب ارتفاع الأسعار، جعلني أتذكر تلك الدراسة، وفي الوقت نفسه التفكير في الوضع الكلي لما يمكن أن يكون عليه أفضل تعاط شعبي مع جميع القضايا ذات العلاقة بالمستهلك، وأهم من قضايا ارتفاع الأسعار قضايا الفساد والجودة على جميع المستويات وحقوق المواطن عند التعامل مع قطاعات كثيرة في القطاعين العام والخاص. لذلك فإنه من المهم أن تكون هناك عدالة حقيقية في التعامل مع القضايا ذات العلاقة بالمستهلك على جميع المستويات، لكيلا تكون المقاطعات أو المطالبة بالحقوق قضايا عشوائية قد يستغلها البعض لأغراض أخرى لا تؤدي إلى أهدافها الحقيقية المستدامة التي تفيد السوق بشكل عام والمواطنين بشكل خاص.
إن العملية الاقتصادية في المملكة تسير وفق توجهات متعددة، وقد تكون مختلفة في كثير من الأحيان بين الجهات التشريعية تحديدا وبين المتلقي أو المستهلك أو أي تسمية تفيد بوجود طرف ثان مستفيد، لذلك فإن وجود مؤسسات في الوسط بين المشرع والمستهلك كانت وما زالت وستكون العنصر الأهم في بقاء معادلة العدالة السوقية بين الشركات والمستهلك، وهنا أستثني بشدة جمعية حماية المستهلك بشكلها الحالي، الذي بلا شك يعطينا تفسيرا على سبب الفوضى في السوق بين السوق والمستهلك، فهدف الجمعية حسب المادة الرابعة هو "العناية بشؤون المستهلك ورعاية مصالحه والمحافظة على حقوقه والدفاع عنها وتبني قضاياه لدى الجهات العامة والخاصة وحمايته من جميع أنواع الغش والتقليد والاحتيال والخداع والتدليس في جميع السلع والخدمات والمبالغة في رفع أسعارها، ونشر الوعي الاستهلاكي لدى المستهلك وتبصيره بسبل ترشيد الاستهلاك"، وهذا بعيد كل البعد عما يحدث داخلها وحولها وخارجها.
كذلك فإن الجهة الأخرى التي لا تزال غائبة عن المشهد الاقتصادي مجلس حماية المنافسة، صدر المرسوم الملكي رقم (م/25) وتاريخ 4/5/1425هـ بالمصادقة على نظام المنافسة. ولتطبيق هذا النظام صدر الأمر الملكي رقم (أ/292) وتاريخ 6/9/1426هـ القاضي بتكوين أعضاء مجلس حماية المنافسة، لكن نجد أننا أمام ممارسات كثيرة وكبيره تستدعي تدخل المجلس، لكننا نكتفي بتصريحات وزارة التجارة التي يرأس وزيرها مجلس حماية المنافسة.
لذلك فإن الحاجة أصبحت ماسة إلى مؤسسة مجتمع مدني حقيقية تعنى بتنظيم تعاطي المستهلك مع الأحداث التي تؤثر في حياته اليومية، وليس أسعار الألبان فقط. أين المستهلك من أسعار السلع الأساسية؟ أين المستهلك من العقار؟ أين المستهلك من سوء خدمات بعض القطاعات الحكومية؟ أين المستهلك من جودة خدمات القطاع شبه الحكومي والخاص؟ والقائمة تطول.