رئيس وزراء بريطانيا يطالب بحظر الإعلام الاجتماعي.. معقول؟
في لحظة غضب وإحباط، قال ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا إنه ربما كان علينا أن نحظر وسائل الإعلام الاجتماعي لمنع حصول الاضطرابات في لندن. كان هذا رد فعل مباشرا لكاميرون أمام الكاميرات على تصريح لشرطة لندن يعتبر أن السبب الرئيس والمباشر وراء اضطرابات لندن هو قدرة المشاركين فيها على تنسيق أنشطتهم عبر البلاكبيري مسنجر.
هذا التصريح كان مثار رد فعل حاد من الصحافة البريطانية، التي اتخذت كاميرون وشرطة لندن محلا للسخرية الإنجليزية الباردة، ليس فقط لأنه يبدو كأنه حل بدائي ولا يفهم الأبعاد الضخمة لمنع وسائل الإعلام الاجتماعي أو البلاكبيري في عاصمة الضباب، التي ''تتجاوز آثار الاضطرابات'' كما قال أحد الكتاب المتخصصين، بل لأنه حل يبدو كأنه غريب على دستور الحريات الشخصية البريطاني العريق.
الكتاب الساخرون والغاضبون - عبر مئات المقالات - قالوا إن الإعلام الاجتماعي لا يعدو كونه وسيلة اتصال، وكأنك تطالب بمنع الموبايل أو الرسائل القصيرة لأنه تم التحريض من خلالها، وأن كاميرون يتجاهل تراكما ضخما من المعرفة عن كيفية التعامل مع الرسائل السلبية على الشبكات الاجتماعية والإنترنت. من جهة أخرى، ركزت مقالات أخرى على الاستخدامات الإيجابية للإعلام الاجتماعي، بما في ذلك التعاون بين السكان ''الصالحين'' في فترة أحداث لندن لمساعدة الضحايا والبحث عن المفقودين وغيره، والتي عالجت مشكلات عديدة، ولولا ذلك لكان الضحايا والخسائر أكبر بكثير. آخرون قالوا إن تطبيق أي آلية لمعاقبة المشاركين في نشر الاضطرابات على وسائل الإعلام الاجتماعي سيكون شبه مستحيل لأنه لا يمكن التمييز بسهولة بين ''ناقل المعلومة'' لأجل نقلها فقط وناقل المعلومة بهدف الدعوة للجريمة.
لكن بغض النظر عن ذلك كله، فإن القدرة الهائلة للإعلام الاجتماعي وللموبايل في تحويل شخص ما، أي شخص مهما كان، إلى وسيلة ''إرسال جماهيري''، ليست فقط قادرة على إرسال رسالة من شخص إلى ''جماهير'' في لحظات، بل إنها أيضا رسالة تفاعلية (أي الناس يمكنهم أن يردوا عليها ويديروا حوارا كاملا حولها)، وأيضا تصل إلى ''الجماهير'' المحددة بدقة عالية، ما يجعل تأثيرها بلا شك قويا سلبا أو إيجابا. بكلمات أخرى، التقنية سمحت لأي شخص، بمن في ذلك المجرمون، أن يتحولوا إلى وسائل إعلام مؤثرة خلال دقائق متى ما رغبوا في ذلك.
صحيح أن رد فعل كاميرون هو رد فعل متسرع وعاطفي، لكنه في الحقيقة يفتح لأول مرة على الإطلاق بابا واسعا يتساءل بين صانعي القرار في الدول الغربية عن كيفية التعامل مع هذا العنصر الجديد في حياة الناس. أحداث لندن ستمثل فصلا جديدا في نقاش ''الحرية الرقمية'' وستضع بلاكبيري، وفيسبوك، وتويتر، وغيرها في مأزق أمام السؤال الأمني هناك، وسينتج عنها تغييرات في سياسات شركات الإعلام الاجتماعي عموما. أحداث لندن قصة مختلفة لأنها هذه المرة ساهمت في جرائم واسعة النطاق لشباب صغار، وكان التحريض فيها بشكل واضح على السرقة والهجوم على المحال التجارية دون أي فكرة لماذا ينبغي أن يتم ذلك (حسب نصوص الرسائل التي أعيد نشرها عبر الصحف).
حتى الآن فإن أبرز الأفكار المتاحة عن كيفية تعامل ''الشرطة'' أو الأمن مع وسائل الإعلام الاجتماعي تقوم على فكرة مراقبتها للبحث عن أي معلومات تساعد على القبض على المتهمين، أو تنبئ بتحركات العصابات أو الجرائم في الأحياء، وهذه التجربة طبقتها بنجاح شرطة نيويورك، من خلال إدارة خاصة بهذا الشأن، واستطاعت القبض على مجرمين، أحدهم كان يفاخر بجريمة قتل على الإنترنت (على سبيل المثال). الإدارة نفسها استخدمت الإعلام الاجتماعي لتحريض الناس على إخبار الشرطة بأي معلومات عن أي جرائم أو معلومات ذات علاقة، ولتفتح بابا من التفاعل الإيجابي المباشر بين الناس وأجهزة الشرطة عموما. هذه التجربة نفسها طبقت في لندن الأسبوع الماضي مع جهود شرطة اسكوتلانديارد للعثور على المشاركين في الاضطرابات من خلال وسائل الإعلام الاجتماعي (بعد الحصول على أمر من القضاء باعتبارهم مطلوبين للعدالة وبالسماح بالتجسس على رسائل بلاكبيري مسنجر ورسائل فيسبوك)، كما أعلنت شرطة لندن PIN Number تستطيع إضافته على بلاكبيري مسنجر لإعلام الشرطة بأي معلومات عن تحركات للعصابات والجموع الغاضبة في الأحياء.
التجربة عموما ما زالت جديدة، وإذا كان الكتاب المهتمون بالقضية يقولون إنها فاعلة وتعالج الكثير من الآثار السلبية للإعلام الاجتماعي، فإن جمعيات حقوق الإنسان غاضبة بشكل جماعي وتعتبره انتهاكا للخصوصيات والحرية الشخصية، لكن هذه الأصوات الغاضبة بدت غير فاعلة على الإطلاق في لندن الأسبوع الماضي، بعد أن ارتفع سقف مطالبات الدولة إلى حظر الإعلام الاجتماعي أثناء الأزمات.
لقد عرضت ملخصا للنقاش الذي يدور في الصحف الغربية عن أحداث لندن والإعلام الاجتماعي لأنه يمثل نموذجا وبداية للحوار عن التقنية الجديدة وأثرها في حياة الناس، وهو نقاش دار بشكل مختلف في إطار الثورات في العالم العربي، لكن ناقوس الخطر دق هذه المرة في الدول الغربية، ومرتبط بشكل مباشر بالجريمة والأمن، وليس بأفكار سياسية وثورية.