إيران والقضية الكردية.. مقاربة تاريخية خاطفة
تعتبر القضية الكردية من بين أهم القضايا الشائكة التي يصعب حل ألغازها ومعالجتها بهذه السهولة لأسباب عدة، منها تداخل المصالح الدولية والإقليمية وعدم توافق الشعب الكردي نفسه، من هنا يمكن وصف القضية الكردية بأنها من جملة أكبر القضايا العالقة في منطقة الشرق الأوسط منذ مطلع القرن العشرين وتأسيس الدولة الحديثة في الشرق الأوسط على أساس الثوابت الإثنية والعرقية حتى الآن، خاصة بعد وصول المد اليساري إلى مناطق الشرق الأوسط في بداية القرن الماضي وانهيار الخلافة العثمانية استطاع الأكراد المحافظة على طرح قضيتهم باستمرار من خلال مبادئ وإن اختلفت على مدار السنوات الماضية، لكن الثابت الذي يميز القضية هو بقاؤها وتركيزها على مبدأ المطالبة بحق تقرير المصير للشعب الكردي منذ أن ظهرت هذه القضية حتى هذه اللحظة.
إنّ القتال الدموي الحاصل في شمال غرب إيران في مثلث الصراع الدموي (جبال قنديل) الواقع في الحدود العراقية - الإيرانية - التركية بين المناضلين الأكراد، حزب الحياة الحرة الكردي الإيراني وحزب العمال الكردي التركي وبعض الأكراد العراقيين من جهة والحكومات الإيرانية والتركية من جهة أخرى، وأيضا حصول الشعبين الجنوب السوداني والكوسوفي على حقهما في بناء دولة مستقلة، وقبل ذلك حصول التيموريين على حقوقهم من منطلق إثني، حفز شعوب المنطقة، التي يصنفها البعض بأنها شعوب غير ممثلة في الأمم المتحدة، رغم أنها تمتلك كل مقومات الدولة ومواصفات الشعب، ألا وهي التاريخ والأرض واللغة، لكن الظروف الدولية والإقليمية حالت دون تحقيق مطالب هذه الشعوب بشكل عادل؛ مما دفعت هذه الأمور شعوب المنطقة وعلى رأسها تلك التي يمارَس ضدها اضطهاد عرقي منقطع النظير في إيران (العرب في الأحواز، الأكراد والأتراك الأذريون والبلوش) أن تبدأ تحركها بقوة وتطرح قضيتها في العالم هذا ما جعل القضية الكردية تأخذ طابعا دوليا وتتصدر وسائل الإعلام الحديثة واهتمام الباحثين والمهتمين بالشرق الأوسط أخيرا، كما أنّ هذه محاولة منا أيضا في إطار التعريف بالقضية الكردية وفك بعض رموزها للقارئ العربي.
الأحزاب الكردية المعارضة
1- حزب بيجاك (الحياة الحرة الكردي): بخلاف ما يروجه إعلام النظام الإيراني عن الحزب فقد أولى هذا الحزب اهتماما ملحوظا بالعمل السلمي قبل أن يبادر برفع السلاح في وجه الدولة الإيرانية، وذلك كما يبدو جليا في أدبيات الحزب ليستشف القارئ أنه بعد أن أغلق النظام الإيراني جميع أبواب الحوار دفع الحزب باتجاه السلاح مرغما.
يبدأ النظام التأسيسي لحزب بيجاك بوضع حجر الأساس لشعار العلم والتكنولوجيا ورفع مستوى الوعي الجماهيري والديمقراطية بين الكرد، ولم يبدأ بشعار العنف والإبادة والقتل رغم ما يروجه نظام طهران ضد هذا الحزب، وعلى الرغم من أنّ النضال السلمي يبدو أكثر نجاعة حتى ضد الأنظمة الشمولية والقمعية مثل النظام الإيراني، لكن لا يمكننا إلقاء اللوم على الحزب بسبب لجوئه للنضال المسلح دون معرفة الدوافع والظروف التي حتمت على قياداته تفضيل العمل المسلح على السلمي. يذكر أنه يترأس "بيجاك" الآن الشخصية الكردية المقيمة في ألمانيا عبد الرحمن حاجي أحمدي ويدير الحزب من منفاه في أوروبا.
في المنهاج الداخلي للحزب يمكن رؤية الأهداف العلمانية اليسارية القريبة من حزب العمال التركي بزعامة عبد الله أوجلان، رغم نفي قيادات الحزب تهما توجه ضدها في هذا الإطار إلا أن التوجهات قريبة للغاية. لم يتطرق الحزب بشكل واضح للاستقلال أو الفيدرالية خلافا للأحزاب الكردية الأخرى وظل ينادي بحق تقرير المصير لما تعنيه هذه الجملة في المنظور البعيد بالنسبة للقوى التحررية من معان تصب جلها في خانة التحرر، لكنه يدعو بشكل معلن إلى كردستان الكبير الموزع بين أربع دول هي: سورية وإيران والعراق وتركيا، ويشير إلى كردستان إيران في شرق كردستان، وهي تسمية تحمل دلالات تحررية واضحة، ظل الحزب في السنوات الأخيرة باعتباره الأقوى والأكثر نفوذا بين الشرائح الكردية رغم حداثة تأسيسه (4 نيسان (أبريل) 2003) بالنسبة لأحزاب عريقة مثل الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي تأسس في أوائل منتصف القرن الماضي.
2- الحزب الديمقراطي الكردستاني: تأسس الحزب الديمقراطي الكردستاني في 25 تشرين الأول (أكتوبر) عام 1945 في منطقة مهاباد الكردية في كردستان إيران، ويعتبر من أول الأحزاب التي أسهمت في تأسيس أول دولة كردية عرفت بـ"جمهورية مهاباد"، توالى على قيادة الحزب شخصيات كردية مرموقة وذات حضور جماهيري واسع بين الأكراد أمثال ملا مصطفى البرزاني والد مسعود البرزاني الزعيم الكردي الحالي في العراق، حيث يعود أصله إلى مهاباد وهاجر إلى كردستان العراق بعد إعدام والده على يد القوات الإيرانية إبان الحكم الملكي الإيراني السابق محمد رضا بهلوي بعد القضاء على جمهورية مهاباد.
وكذلك هناك شخصية مرموقة أخرى تولت قيادة الحزب وهو الأستاذ الجامعي والمثقف الكردي عبد الرحمن قاسملو، الذي اغتيل في فندق مكينوس في فيينا عاصمة النمسا في 13 تموز 1989 وهو يعد للحضور لمباحثات سرية كانت قد تعقد هناك بين حزبه وشخصيات سياسية وأمنية إيرانية في عهد الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني واتهمت باغتياله شخصيات من النظام الإيراني في محكمة ألمانية، رغم ذلك ظل الحزب يدعو للفيدرالية بعدما كان يدعو للحكم الذاتي رغم حدوث انشقاقات كبيرة وسط الحزب أوجدت أحزابا عادة ما تحمل تقريبا نفس الاسم، وإنّ الفصيلين الكرديين التابعين للحزب الديمقراطي في تنافس شديد، لكن شخصية كردية يعرّف بها الحزب الديمقراطي الكردستاني وهو مصطفى هجري يذكر أنّ الحزب يؤمن بالنضال السلمي.
3- حزب الكوموله: يترأس عبد الله مهتدي حزب كوله، الحزب اليساري الكردي وهي صفة غالبة على الأحزاب الكردية، ويعرف الحزب وهو من أقدم الأحزاب الكردية أيضا بنهجه المتسامح مع القضايا الفارسية في إيران والدولة الإيرانية خلال طرح شعار الحكم الذاتي منذ نشأته وكذلك ارتباطه الوثيق باليسار الإيراني مثل مجاهدي خلق وأحزاب يسارية وماركسية إيرانية أخرى مثل حزب الشعب الإيراني (تودة) والآن يرفع الحزب شعار الفيدرالية للشعب الكردي ويؤمن بالنضال السلمي.
هنالك بعض الأحزاب الدينية السنية في كردستان أمثال الحركة السفلية التي لديها قاعدة جماهيرية لا يمكن الاستهانة بها بين أوساط الكرد المتدينين، حيث تنشط هذه الحركات في المناطق الكردية ذات الحضور الديني وتتعرض لقمع السلطات الإيرانية حالها حال الأحزاب الكردية التي تتعرض لاضطهاد قومي وديني منقطع النظير من قبل النظام الطائفي الحاكم في إيران.
لم يقتصر النزاع المسلح بين النظام الإيراني والجماعات الكردية المسلحة على الشهور أو السنوات القليلة الماضية، فالحرب الدائرة في كردستان بين بيجاك والحرس الثوري كانت قائمة أصلا منذ إعلان تأسيس بيجاك وسبقت هذا الإعلان سنوات من الحرب الطاحنة قبل وبعد تأسيس الحرس الثوري الإيراني لكن ماذا تغير في المعادلات كي تولي قيادات الحرس كل الاهتمام من أجل القضاء على بيجاك وتتداول الحديث عن عزمها استئصال هذه الحركة وتولي أخيرا اهتماما ملحوظا لكردستان باعتباره بوابة التغيير القادم على إيران؟
في معرض الإجابة عن السؤال المهم جدا لو ألقينا نظرة سريعة على تصريحات قادة الحرس الثوري الإيراني في الأشهر القليلة الماضية لرأينا أنّ مجمل التصريحات الحرسية تنصب على كردستان وأنّ الحديث عن التهديد القادم لم يتوقف والمناورات العسكرية الإيرانية متكررة في تلك المنطقة، حيث قامت قوات إيرانية بمناورات جوية ضخمة في شمال إيران بالقرب من منطقة كردستان، ولا ننسى سقوط طائرة إيرانية مقاتلة خلال تلك المناورات. لكن اللافت في تصريحات قائد الحرس الثوري الإيراني ما جاء أخيرا في حديث اللواء محمد علي جعفري قائد الحرس الثوري في الثالث عشر من أيلول (سبتمر) 2011 (وكالة فارس للأنباء المقربة من الحرس) التي أشار فيه إلى أنّ العمليات العسكرية التي يقوم فيها الحرس ما هي إلا عمليات للتصدي للتهديد القادم من كردستان، فالخوف من كردستان يبدو واضحا في تصريحات المسؤولين الإيرانيين؛ ما يعني أهمية كردستان في عملية التغيير القادمة في إيران.
فهل يمكننا قراءة ما يأتي في تصريحات المسؤولين الأمنيين وقيادات الحرس الثوري الإيراني بأنّ القضية الكردية أخذت أبعادا متطورة في إطار تلبية الحقوق التي يطالب بها الشعب الكردي منذ عقود؛ ما جعلت كردستان تتحول إلى بوابة التغيير القادم لإيران في المستقبل؟ سؤال يصعب الإجابة عنه بلا أو نعم بالنسبة لقضية شائكة مثل القضية الكردية، لكن كل المؤشرات تشير إلى أنّ القضية الكردية عبر نضال الشعب الكردي بكل فصائله وتياراته في العقود الماضية حان قطافها على أيدي هذا الشعب الذي يمضي قدما نحو تحقيق أهدافه، وستكون كردستان بوابة التغيير في إيران دون أدنى شك وستتحول إلى مطمح الشعوب المضطهدة في إيران في سبيل تحقيق تطلعاتها وأهدافها المشتركة.