3 ملايين وظيفة.. من أين يا معالي الوزير؟
في كلمته في منتدى التنافسية المنعقد أخيرا في الرياض ذكر المهندس عادل فقيه وزير العمل أن المملكة تحتاج إلى ثلاثة ملايين وظيفة جديدة بحلول عام 2015، أي خلال ثلاث سنوات فقط، وستة ملايين وظيفة جديدة بحلول عام 2030.
في الحقيقة أنا معجب بالبرامج التي أطلقها وزير العمل منذ أن ألقيت على عاتقه حقيبة ثقيلة جداً أعتقد، بل أجزم بأنها محبطة ولا يرغب مسؤول كبير أن يحملها فكيف بمهندس ناجح في حياته العملية في القطاع الخاص الذي هو أكثر تنافسية وإنتاجية وديناميكية من القطاع العام. فالوزير غامر بتاريخه ونجاحاته فإذا سارت الأمور كما خطط لها، وهذا أفضل احتمال، فخير على خير. وكما تعلمنا في قطاع المال والأعمال أن أفضل احتمال هو واحد من الاحتمالات الممكن حدوثها ويخصص له وزن نسبي يعبر عن إلى أي قدر ممكن أن يتحقق، وإذا لم يتحقق فإن الوزير وضع بصمة سوداء في تاريخه العملي أو ربما أنهى بها حياته المهنية - لا قدّر الله.
وفي ظل عدم توافر التفاصيل فليسمح لي الوزير بأن أناقش أرقامه ، أنا لا أعرف من أين أتى بالرقم ثلاثة ملايين، فإن صح فهذه كارثة وتعزز من احتمالات فشله وخسارته معركة البطالة وهي من أكبر التحديات التي يواجهها اقتصادنا خلال الفترة الأخيرة. فالمعادلة التي يسير عليها اقتصادنا غريبة جداً وبحق استثنائية، حيث إن الوضع الطبيعي أن الاقتصاد الذي ينمو بمعدلات مرتفعة يخلق عددا كبيرا من الوظائف الجديدة، وبالتالي تنخفض البطالة وهذه المعادلة أو الحقيقة لم تنطبق على اقتصادنا. ذكر الوزير أننا في حاجة إلى ثلاثة ملايين وظيفة بحلول عام 2015، هذا رقم كبير جداً ومخيف، فالأرقام التي دائماً نتوقعها كانت في حدود 1.2 مليون وظيفة، 750 ألف مسجلين في حافز، و480 ألف وظيفة تمثل الخريجين الجدد من الداخل والخارج للأعوام الثلاثة المقبلة. كيف سيخلق اقتصادنا ثلاثة ملايين وظيفة خلال ثلاثة أعوام أي مليون وظيفة كل عام. إذا الاقتصاد حسب الأرقام المعلنة خلق 162 ألف وظيفة فقط خلال الفترة من 2004 إلى 2009 أو 33 ألف وظيفة في العام؟
عندنا مثل في نجد يقول ''الشق أكبر من الرقعة''، وإذا أردنا أن نسد الشق فعلينا أن نقدم حلولا شاملة ومتكاملة بالتنسيق مع جميع الجهات المعنية في القطاعين العام والخاص. كما يتوجب علينا اتخاذ إجراءات سريعة تتطلبها المرحلة الحالية، فالخريجون الجدد وبالذات القادمون من الخارج في حاجة ماسة إلى اقتصاد يستوعبهم، لذا يجب اتخاذ بعض الإجراءات السريعة منها على سبيل المثال لا الحصر هناك 6.2 مليون أجنبي يعملون في المملكة، لو وطنا 12 في المائة فقط من وظائفهم وهذا هدف معقول جداً وممكن تحقيقه فإن هذا الإجراء سيسهم في توفير 740 ألف وظيفة وهذا يعادل تقريباً عدد الباحثين عن العمل المسجلين في برنامج حافز. هذا الإجراء يحمل في طياته تكاليف منها عدم توافر المهارات اللازمة وارتفاع تكلفة المواطن والحاجة إلى التدريب وربما انخفاض الإنتاجية، ولكن يجب علينا سواء القطاع العام أو الخاص أن نعتبر هذه المهمة مهمة وطنية ونؤمن بها ونتبناها وإلا لن يكتب لها النجاح. ومن الحلول السريعة والفعالة تطوير برامج تدريبية للخريجين الجدد لتأهيلهم لدخول سوق العمل والإيفاء بالحد الأدنى من متطلباته. كذلك تحسين معلومات سوق العمل بما يضمن توافر المعلومات عنه وما يحتاج إليه حسب التخصص والمنطقة مما يلعب دوراً كبيراً في توجيه الطلبة إلى التخصصات والمناطق التي يحتاج إليها سوق العمل. ومن الحلول السريعة والناجعة رفع تكاليف استقدام العنصر الأجنبي وفرض ضرائب على دخله ووضع حد أدنى عاليا لأجره ومنحه حرية الانتقال من عمل إلى آخر مما يجعل المواطن أقل تكلفة ومخاطرة على صاحب العمل وبالتالي أكثر جاذبية لتوظيفه.
أما بالنسبة للإجراءات متوسطة وطويلة الأجل والتي - بإذن الله - ستسهم بفعالية في خلق وظائف، وبالتالي تخفيض البطالة فمن أهمها تطوير التعليم والتدريب مما يجعل الخريج من الجامعات والمعاهد السعودية ينافس ليس فقط في الداخل بل كذلك في الخارج. التأكيد على القطاع الخاص وضع محفزات لجذب المواطنين مثل حد أدنى جيد للرواتب والتأمين الطبي والقروض السكنية والتدريب والبعثات الدراسية للمتفوقين مما يجعل المواطنين يتجهون للقطاع الخاص أكثر من توجههم للقطاع العام. وأخيراً وليس آخراً الاستثمارات أو المشاريع العملاقة مثل ''بترورابغ'' و''سابك'' وبنك الإنماء لن تخلق ملايين الوظائف التي يحتاج إليها الاقتصاد، لذا لا بد من أن نحفز إنشاء المشاريع الصغيرة والمتوسطة Small and Medium Enterprises. تعتبر المشاريع الصغيرة والمتوسطة من أهم القطاعات التي تخلق الكثير من الوظائف في الدول المتقدمة ففي الدول السبع الكبرى يعمل أكثر من 70 في المائة من القوى العاملة في هذا القطاع. ولتأسيس بيئة محفزة لإنشاء المشاريع الصغيرة والمتوسطة لابد أن يتم نشر الوعي في المجتمع عن جدوى وفائدة تأسيس المشاريع الصغيرة والمتوسطة وترويج بيئة الريادة أو Entrepreneurs و إدخال المناهج التعليمية التي تهتم بهذا القطاع الحيوي وتأسيس المعاهد والكليات التي تعمل على تخريج طاقات مؤهلة لتلبية هذه الحاجة على غرارBABSON college كذلك تحسين البيئة القانونية والتنظيمية، وتسهيل الإجراءات الحكومية لإنشاء مثل تلك المشاريع، وإيجاد قنوات التمويل اللازمة بشروط ميسرة وبحجم تمويل مناسب، وسن بعض التشريعات الداعمة مثل توجيه ما لا يقل عن 20 في المائة من مشاريع الحكومة إلى المنشآت الصغيرة والمتوسطة كما هي الحال في الولايات المتحدة، وأخيراً تحسين السلوك الاجتماعي والعادات والتقاليد من خلال قبول العمل في مشاريع صغيرة ناشئة والعمل لساعات طويلة وفي مهن البعض لا يتقبلها وقبول الفشل، حيث إن بعض المشاريع لن يحالفها الحظ وستفشل لسبب أو لآخر، ولينظر من لم يحالفه النجاح في مشروعه الأول إلى أن الخسارة كانت تكلفة لتدريبه وليبدأ مشروعا آخر. وأنا متأكد أن أداءه في مشروعه الثاني سيكون أفضل والنجاح سيكون حليفه - بإذن الله.
معالي الوزير، إن اختيار أي من الحلول أعلاه أو حلول أخرى لم أوردها في هذه المقالة المقتضبة بالتأكيد لن يحقق لنا هدف توفير ثلاثة ملايين وظيفة بحلول عام 2015 إنما العمل عليها جميعاً والحصول على دعم الجهات الحكومية الأخرى كوزارة المالية والتربية والتعليم والتجارة والاقتصاد والتخطيط وبهذا سنصل - بإذن الله - إلى الهدف المنشود وهو الحياة السليمة للمواطن السعودي.