ما بعد الهاش تاق..!
أسهمت الشبكات الاجتماعية في إتاحة التعبير الحر داخل المجتمعات العربية والمجتمع السعودي بشكل خاص؛ فالحراك الاتصالي النشط وتوظيف هذه التقنيات في خدمة المصالح المجتمعية أفرز لنا تياراً رقابياً شعبياً استغل كل ما لديه من هاش تاق، تويتر، أفلام يوتيوب، وتحديثات فيسبوك، ليدلي برأيه وينتقد من خلاله الأشخاص والقضايا البارزة حتى صارت كلمة "هاش تاق" مُغنية عن أي تغطية إعلامية أخرى!
ويكفي أن تقوم بجولة خاطفة من خلال هذه المواقع الاجتماعية لتدرك حجم الحراك المجتمعي الضخم الذي يقوم بعمل يتداخل مع عمل مؤسسات المجتمع المدني من خلال الفضاء الرقمي، إذ أدى انعدام الرقابة المباشرة للمجتمعات الافتراضية إلى تطور استخدام وسائل الاتصال الجديد باستخدامها كوسيط ثقافي وفكري واجتماعي متنوع قل نظيره على أرض الواقع. فبحسب تقرير الإعلام الاجتماعي العربي الصادر من كلية دبي، شهدت الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2011 التحول الأكبر في طرق استخدام العالم العربي لوسائل الإعلام الاجتماعي وتوجهت نحو الحشد المجتمعي والشعبي عبر شبكة الإنترنت.
وفي الدراسة التي تمت على 200 طالب وطالبة في الجامعات السعودية، عبَّر الأكثرية بمعدل 68 في المائة عن رضاهم بدرجة كبيرة عن مساحة الحرية في الشبكات الاجتماعية، ويأتي الحديث عن الحرية تحديداً لكونها الميزة الأكثر أهمية في الشبكات الاجتماعية العربية؛ وبالنظر إلى توظيف وسائل الإعلام الجديد في الحراك المجتمعي في السعودية بوجه الخصوص وتزامن هذا مع ارتفاع عدد مستخدمي الشبكات الاجتماعية الذي تضاعف بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة يبرز التساؤل الأهم:
هل يكفي الرضا عن الحرية لتحقيق وظيفة الإعلام الاجتماعي المأمول؟ وهل ستستمر نسبة الرضا عن الحرية كما هي عليه؟
الحقيقة أن الرقم الضخم لمستوى الراضين عن الحرية لا يعكس بالضرورة وجودها فعلاً، بل ربما هو تعبير يصف حداثة التجربة الاتصالية لدى غالبية المستخدمين ودهشة البداية، فعدم وجود قانون واضح ومنصف للمستخدم في الإعلام الجديد يعرض كثيرا من المستخدمين للإحجام عن التعبير عن آرائهم واتجاهاتهم خوف المساءلة؛ فالرضا لن يطول ويبدو أن هناك بوادر لتصحيح الوضع العام للإعلام الجديد في المملكة، فبحسب الدراسة الميدانية السابقة التي استهدفت معرفة رضا الشباب الجامعي حول مساحة الحرية في الشبكات الاجتماعية وجد أن غالبية الراضين عن مساحة الحرية كانوا من ذوي الدخول الأقل من أربعة آلاف شهرياً.
وفي فحص للنسبة الباقية التي لم تبد رضاها عن مساحة الحرية تبين أن الفروقات في متوسطات درجة الرضا حيال مساحة الحرية تميل لصالح ذوي الدخول المالية الأقل مقارنة بذوي الدخل الأعلى، إذ كلما ارتفع مستوى دخل الفرد قل رضاه عن مساحة الحرية وأراد مزيدا منها، والنتيجة في هذا السياق أتت مقاربة لسمات الطبقة الوسطى في العالم ككل، فهم الطبقة الأكثر اهتماماً بتحقيق التنمية والتطوير لإدراكهم ضرورة الحرية في المجتمع الإعلامي الفاعل، وبحسب هذا الاعتبار ستبقى الحرية وارتفاع سقفها مطلباً أساسياً لشباب الطبقة الوسطى القائد للتطوير وستتزايد الظروف الدافعة لمنح مزيد منها، إذ نحن أمام عصر جديد يقود فيه شباب الطبقات الوسطى النهضة والتطوير - ما لم تتقلص هذه الطبقة - وتتبخر الأحلام!