التصحيح المسلحف: الشباب السعودي مثلاً!
وتيرة التصحيح بطيئة جداً..
ولمن يقول: أن تأتي متأخراً خير من ألاّ تأتي أبدا! أقول: في الحكمة السابقة، الحديث عن وصول متأخر فقط، وليس وصولاً كهلاً هزيلاً مسحوق العظام!
لم يقتنع البعض، على مر عقود، بأن المجتمع لا يبدل كل شيء! وأن هناك قرارات سيادية بالكامل، يجب أن تصدر في وقتها لصالح المجتمع. فالقانون هو سيد الموقف في المجتمعات المدنية، قبل الحراك الاجتماعي.. وفوقه. وأن دور المجتمع، حتى في الدول المحكومة بسيادة القانون المدني، جلب إيجابيات كثيرة بالتفتيش في الحقوق وإعادة إبرازها للواجهة، وليس في سنها أو استحداثها، إلا في حالات قليلة.
ولو أخذنا القرار الأخير بالسماح للشباب بدخول المولات والمراكز التجارية في الرياض مثلاً، فعليك أن تتذكر جيداً أن هؤلاء الشباب، أو كثير منهم، هم أنفسهم العاطلون عن العمل، أو المعينون على وظائف بمسمى ''مستخدم''، والراغبون في الزواج، والمكابدون لظروف أهلهم المادية.. إلخ! فهل أصبح احتواء هؤلاء واجباً ملحاً على سبيل الـ (فجأة)؟!
النسقية في المجتمع السعودي جاثم عملاق التكوين، هذا لن نختلف عليه كثيراً! ولكن في المقابل استفاد عقل اجتماعي محدد من تجييش هذا كافتراض يقول: هذا ما يريده المجتمع! مع أن جزءًا كبيراً من المجتمع السعودي لم يرد أي من هذا، كما لم يبتغ أن يفرض عليه السكوت عن تناقضات في أخريات كثر! المشكلة هنا، أن أحداً لن يخرج ليفسر مسوغات المنع عن ربع قرن مضى. فهناك من قال إن التجار هم من منع الشباب طوال هذه السنين حرصاً على (سلامة) العائلات التي ترتاد الأسواق دون عائلها. وهناك من قال إنها جهة رقابية كانت تكرر التصادم مع كل من (يشتبه) بوجوده لسبب غير التبضع! وحول هذه الأخيرة بالذات، أذكر أن جيلي تبناها سببا، فأصبح الرفاق يتجولون بأكياس مليئة بـ ''خلاقين'' قديمة، لكي يتمكنوا من الدخول للمول والتبضع في ''العقارية'' قبل السفر! وبقدر سلامة النوايا.. إلا أننا كنا نتندر كثيراً من تأشيرة تجوالنا الآمن وجواز مرورنا الذي ابتكرناه واسمه (الكيس)! وبعد نهاية الجولة.. كان الرفاق، عرفاناً بالجميل، يخرجون بكيس ''الخلاقين'' في يد.. وفي اليد الأخرى كيس ملابس السفر صيفاً مع أسرهم!
اختزالاً لما سبق، أعتقد أن قرارات سيادية مشابهة يجب أن يتم البت فيها. وهي قرارات تعجل وتيرة التصحيح التي لم تعد تقبل تسويفاً أو تطمينا! والفرصة الآن مهيأة بشكل أكبر لتقبل ضخ مزيد من القرارات التصحيحية التي لا تحتمل المراجعة من جديد. وأتحدث تحديداً عن التصحيح في النطاق الاجتماعي، أما القرارات التي تصدر بخصوص السعودة، التوظيف، التدريب، التعليم، الإسكان.. فهذه لا يجب التفاؤل كثيراً بخصوصها، لأنها لن تستند لأرض تنفيذية صلبة بسبب (ليونة) إدارة التشريع والتقنين فيها. ليبقى العزاء الأهم، هو أن صنع مكان أفضل لنا كمواطنين، وما قد يسهم به هذا من صنع أجيال أقل تناقضا في القادم من مستقبل المكان.