مترو مانشستر !!
في قطار مانشستر (هذه الإجازة) وبرغم المطر الذي يهطل فيغسل المروج في قلبي، جلست في (الترام) أحدق في التصميم والألوان والمقاعد والمساحات متمنية من الروعة ألا أنزل منه أبداً، وأن تفتح لي بوابة الزمن فأنقله بالكامل إلى مكان تعرفونه جميعاً يحتاج إلى قطارات منظمة ومؤدبة ترحب براكبيها ماداموا يحترمون النظام. آلاف الأشخاص المسافرين ومئات العربات والرحلات المتتالية تغادر على وقتها وتستوعب التفويج والازدحام بنظام وسلاسة، فتقف بالدقيقة وتغادر بالدقيقة وإن تأخرت فعشرات الاعتذارات والتنبيهات حرصاً على وقت المسافر وتطييباً لخاطره.
وفي أطهر البقاع في مزدلفة يتأخر قطار المشاعر (الجديد) الذي كلف الدولة (6 مليار) بسبب آلاف الحجاج غير النظاميين وغير المصرح لهم بالنقل عبر عربات القطار الـ 204 والموزعة على 17 قطار، مسببين الازدحام مفترشين البوابات خاصة (طريق رقم 3) مجبرين المنظمين على نقلهم إلى مزدلفة. وقد كان المفترض أن يركب القطار حجاج جنوب آسيا وبعض حجاج دولة تركيا وهم المصرح لهم باستخدامه ضمن حملات الحج.
ذكرت المصادر أن مترو المشاعر به كاميرات مراقبة، داخله وخارجه، وفي الممرات داخل المحطات (1200 كاميرا)، وهي معقدة لدرجة أنها تحصي عدد الأشخاص الذين يدخلون المحطة؛ للمساهمة في توجيههم أو التعامل مع أي حوادث أو حرائق، أو حتى تهديدات أمنية وإرهابية !؟ كل ما سبق جميل ، ولكني لست أتخيل وجود مؤشرات واضحة على بداية مشكلة ثم تتباطأ الأجهزة في التعامل مع التكدس ولا تنظم توافد الحجيج أو التعامل مع من رفض المغادرة ؟! وأعتبر طلب التحقيق في دواعي المشكلة والجهات المتسببة فيها هو بداية تشخيص الواقع ووضع أكثر من سيناريو للتثبت من عدم تكرار نفس المشكلة أو تفاقمها مستقبلاً.
أتساءل هنا عن التدبيرات والتبريرات التي تحيا وتموت (ياسبحان الله) بعد وقوع الحدث ؟! فلماذا نتصرف كرد فعل ولا نشكّل باستعدادنا وتوقعاتنا الفعل ذاته ؟ أليس من المفترض وجود رقابة صارمة على أداء الأجهزة والخدمات التي تقدم للحجيج ؟ ألا يجب أن تعمل جميع الأجهزة عبر منظومة متناغمة دون السماح لخطأ التقصير أو قلة الخبرة ، إلا ما قدر الله وكان يفوق تدبير البشر ؟
لسنا ملائكة ولا ندّعي الكمال ولا بد من معرفة نقاط الضعف في ضوء الأخطاء التي تُرتكب لأنه ليس هناك خطأٌ أكبر من عدم الاعتراف بالخطأ خاصة عندما نناقش أعمال وإنجازات موسم الحج وفق ما نتمنى ووفق أفضل الإمكانات المتاحة. لذا يفترض بعد انتهاء موسم الحج ونجاحه بحمد الله، أن يتم إعلان أسباب الفشل لأن التصريح بالأسباب يضمن عدم تكرار المشكلة للأعوم القادمة، فالحجاج ليسوا السبب بل هو بالتأكيد سوء التنظيم !
قطارات العالم تسبقنا في الجودة والدقة وقد دشنت الصين قطار ماجليف الذي تيلغ سرعته العالية 500 كلم/ ساعة، وقطار الخليج يفترض تدشينه في 2018م بتكلفة 25 مليار دولار، ومشروع قطار الرياض بصدد الإرساء على أكثر من تجمع شركات (ائتلاف) للبدء في التنفيذ ، فكيف بالله عليكم ومترو المشاعر (لدينا) لا زال يدار بالارتجال وتقبل محاولات التشغيل الخطأ والتجربة والهفوة والفشل !؟ وأعترف لكم بأن لون القطار لم يعجب الكثيرين ، وتصميم العربات أيضاً، كما أن الشعار لا يتناسب بأبعاده مع المقياس الفعلي للسيفين والنخلة كشعار ! ويزيد على ذلك أنا لا نريد أي زلات أو هفوات لمشروع باهظ الكلفة نعلق عليه الأمل في تخفيف الازدحام وإحداث النقلة النوعية في وسائل المواصلات بالمشاعر المقدسة. كلنا في منطقة مكة المكرمة نفتخر بخدمة الحجيج ونحرص على أن تقوم جميع الأجهزة والهيئات والمؤسسات بما يشرّف الوطن ، وحسابات الواقع قصيرة المدى قد تأتي بعواقب مزعجة تعكّر صفو الانجاز ، فأرجوكم لا تخذلونا ولا تتنازلوا عن شرف تقديم الأفضل عاماً بعد عام.
يا مترو مانشيستر .. عليك السلام !!