«لون مع التراث» .. وهويتنا
صدر عن هيئة السياحة، بتعاون مباشر مع وزارة التربية والتعليم، كتيباً للتلوين بعنوان ''لوّن مع التراث''! وسيتم توزيع 757 ألف نسخة منه على طلاب المدارس في المملكة، بحسب وكالة الأنباء السعودية. الخبر في مجمله باعث على البهجة، لكن الأبجديات المهنية وأهميتها في زمن الاحتراف تحتم علي كتابة ما يلي من السطور.
للأمانة أدوّن التالي: الرسم الكاريكاتوري المستخدم على الغلاف لا ينبئ عن وعي كاف بهويتنا الوطنية! فالكتيب الذي يبدأ برسم لطفل ''سعودي'' يرتدي غترة مربّعة النهايات، لا أستطيع معه أن أجزم بوصول الأثر النبيل للرسالة. البداية غير مقنعة لأي طفل سعودي يعرف كيف يبتدئ الشماغ وكيف ينتهي! فهو يراه على رأس والده وأقاربه، كما أن كل طفل سعودي لديه نسخة مخبأة منه للمناسبات.
سؤال الهوية وأهمية حضورها البصري في وعي المتلقي، خصوصاً عند صغار السن، سؤال أنهك الكثيرين في العالم الحديث. وانتهت التجارب عالمياً واستقرت عند ما يلي: مهما حاول الفنان وصانع المشهد أن ينتحل شخصية غيره، فلا يمكن بأي حال أن يؤثر بعمق.. أو حتى أن يمارس أبسط مقاربات الإقناع. الأمر ببساطة، يمكن أن أشرحه كما يلي: لا يمكن لرسام من الفلبين أن يرسم طفلاً سعوديا يعيش في حارتنا! كما لا يمكن للفنان السعودي أن يرسم طفلاً فلبينياً يجيد اقتناص ثمار جوز الهند من غابة ساحلية في جزيرته!
لن أتحدث عن تفاصيل بصرية وفنية أخرى في شخصية الطفل المرسوم، أسقطت عنه الانتماء الذي لا يأتي إلا بإدراك الهوية. وللمهتمين أن ينظروا إلى ''قبّة'' الثوب، و''السحّاب''.. وحتى الأكمام! تفاصيل لا يعرفها غيرنا.. وسقط العشرات من أمهر الفنانين دون إدراكها. نحن.. نحن! ولا أحد غيرنا يعينا! ومن عظمة الرسم، حارس عفاف الفن، أنه لا ينصاع بسهولة كباقي الفنون الأخرى، ليظل عصيّاً.. سويّ الكبرياء.
الشاهد:
من أبنائنا وبناتنا، هناك مليون طفل وطفلة، تقريباً، لن يتعرفوا على طفل التراث السعودي هذا! حتى وإن لوّنوا عالمه الورقي، فهذا لن يحدث إلا بتحريض من اعتيادنا واعتياد أبنائنا على تجريب إنجاح فرضية ملء الفراغ.. بالفراغ!