ما يفعله بنا تويتر ..!

لم أكن أدري أنه بتسجيلي في موقع التواصل الاجتماعي تويتر سأصبح من العصافير ! وسأغرد كما يقولون ويتم (هشتقة) بعض عناويني وما أكتب ! كنت أزور المواقع وأتابع بعض المغردين وأقرأ يومياتهم بشكل دقيق مثلي مثل أي مبتدئة في عالم الفضاء الافتراضي المفتوح ، وكانت تكبلني وما زالت الحروف 140 التي تحدد عباراتي وتؤطر أفكاري فلا أجد سبيلاً سوى الالتزام والاختصار ماأمكن.

ومع استمرار سنتين تقريباً، وجدتني دون أن أشعر أتابع ويتم تتبعي بمحض إرادتي. وبرزت لي فوائد كثيرة حتى لو غردت داخل السرب أو خارجه ، وجدت وعياً ينمو واهتمامات أشترك فيها مع آخرين. وفتشت عمن هم أكبر مني سناً وقدراً.. وقد كنت أظنهم غير متاحين.. وولدتْ اهتمامات مشتركة وأحلام مباركة لم أكن أظنها تتحقق . اكتشفت سمو مقالهم وتواضع نفوسهم وحرصهم على التفوه بالحكمة وبما ينفع الناس. وجدتهم عظماء يزدادون ألقاً ومكانةً في القلوب. ووجدت شجعاناً يدلون بالكلمة فتكون كالسيف يتقطرحكمةً ويأسر بابداعه غير التقليدي فكر وعقل المتابعين. كنت في البدايات أتهيب وأكتفي بوضع تغريداتهم في المفضلة وأعيد الارسال وأنشر محمود عباراتهم علها تطرق أبواب الملايين.

وبعد صولات ترتجي وجولات قد تخيب.. أصبح اختلاف التنوع ثرياً معهم وبهم تماماً كمن يمنحونه الجواهر النادرة بلا مقابل وصرت ألملم معهم أحلامي وأحلام المبعثرين. تشكل عندي ما أسميه "أدب تويتر" وسلوكيات المخاطبة الإلكترونية ، أصبحت (وبإسمي الحقيقي) كالشجعان في ساحة الرأي أعرض ما أفكر فيه وأتوق لغرس الوعي به دون خشية المغرضين. وتكشفت لي شخوص على أروع حقيقتها تمنيت لوكنت أمامها وفي حضرتها أرتشف معها كوب قهوتي وأحكي وأحكي دون رقيب يكبلني ودون قضبان الأحرف المئة والأربعين. وانبعثت من سكونها أخلاق وماتت أخلاق ونمت اتجاهات ونضجت أفكار ما كنت أطنها تحيا ولو شقوا جوفها بسكين. وقد حدث وسافرت في عروق بعضهم دون أمتعتي ونمت في قلوب بعض آخرين. وكانت بعض كلماتهم تداوي جروحاً وأخرى تحيي غفلتي وتلقي ضوءاً على ما أستشكل من فرضيات وبراهين.

ونضجت عبارات على مهلها لأفكر بجدية عن أفق الكلمة ومن سينتفع بها وهل ستسبب في سعادة أزلية؟ أم ستقبع في وديان قلوبهم تنكيء الجراح وتصمت قبل أن تصرخ، أو تنبض باخلاص في وعي المغردين. وها قد تشكلت صداقات لأناس نتمنى لقاءهم وقد نرتحل إليهم لنتحاور معهم بأرواحنا قبل قلوبنا، نقاشات فلسفية بالرغم من بساطتها إلا أنها تبدل ووتغير في إدراكنا لتشغلنا عن هموم يومية أو تؤسس لامكانات صنع المعرفة ونشر الخير بمحض الإرادة .
عالم التواصل الاجتماعي الإلكترونية هو عالم متوالد الدهشة يتيح فضاءات فوضى خلاقة وغير خلاقة .. في نظري لاتحده براويز ولاتقبض على سنامه عُقلّ . هذا الزخم المعلوماتي والمعرفي يقترن واضحاً بالتنمية الفكرية ولا بد وأن يستخدم ايجابياً بما يحقق ارتقاءً ووعياً أصيلاً ولابد من استخدامه من أجل خدمة مجتمعاتنا، وبشكل منظم لا يستهلك جميع وقتنا . فكيف نتهاون بأداة لا نملك معها إلا التحول نحو الأفضل؟ وليس لنا خيار إلا التمكن من استخدام أدواته بمهارة الحادق والكيس الفطن إلى أن نعي لب الدروس المستفادة من غايات الاستخدام، فلم نعد نملك ترف الانفصال أو الاقصاء لهذه العوالم .

ولأن في هذا العالم الواسع أناسٌ متصالحون مع ذواتهم يتحلقون كالنوارس على السواحل لينشروا عبق الامكانية من شرفات الأمل، ونبقى معهم ولهم مخلصين متحابين ، أجده واجباً محتماً أن نعزز من مساندة المشاركة الجادة التي تنفع الناس وأن لا نساهم في دعم الابتذال في الرأي أو غثاء الكلمة ، هي دعوة نحو وحدة المجتمع الناضج والعقول النيّرة لضبط تلك الفوضى الصادمة والطبيعية في نفس الوقت. هي دعوة للاصرار على تحويل ضياء الفكرة إلى إمكانية انجاز وتواصل مثمر سيؤتي أُكله ولو بعد حين.

شكراً تويتر فقد اكتشفنا من خلالك الأفضل في أنفسنا، أرتكبنا التواصل والالتزام وتعلمنا جوهر الإنسانية في الكينونة وفصل الخطاب ولا بأس ببعض الحنين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي