عزيز عيني ...
يكبرون ليغادروا وتبقى أطياف الذكريات ... يحملون معهم الأماني ويتدثرون بالتهاني والأحلام والأمنيات... يرحلون نحو عالم جديد وتجارب نضج ٍجديدة وماسيكون وما هو آت... بانتظار أن يبرز جوهر القيم وما غرسته المواقف وماصنعته التربية في سلوكياتهم المسؤولة ، ونتوسم في البنين والبنات خير الخلف بعد السَلف.
عزيز عيني هذا... لقبه "أصابع الرجال" ، أطلقتهُ عليه جدّته مذ كان صبياً يلعب، لتغرس فيه أفعال الرجال، عزيز عيني عاقل صادق ينثر الشهامة ويبادر ويحقق وعوده .. يستجلب الرضا ويضمني بين حنانيه ثم يتركني كل مرّة كالمعلقّة بين حبال عينيه أدعو له بالتوفيق والسداد.
كَبُر وأنا أستمهل الزمان أريدهُ ألا يكبر ، ولا زلت أتذكر سؤاله البريء: "يا أمي متى أكبر!؟" كنتُ وقتها أتلعثم وأتبسم، وأرجو الأيام أن تساند أمنيته فتهرول وترحل ... كان يكبر في الطفولة يوماً على يوم... كان يحلُم ويتمنى ونحقق كأبوين بعض الذي نقدر.. كان مثل كل الأطفال يرسم غيمات وطيور ويلونها بالأزرق والأحمر ... والأم ترقب قلبه الصغير وترجو وتأمل.. وفي الوعي كان يتساءل: "ياأمي أخاف لأحلامي أن تتبعثر"... "يا أمي قولي للأيام "أريد أن أكبر" !
وفي غمضة عين حان الأوان، نضجٌ وجحافل مسؤوليات وعملٌ وانجازات، وتقرير مصير وبحثٌ عن نصف آخر، شرطه أن تكون مثل السكّر.. ليكتمل دينه ... وهو يدري أني لم "أزوجه ليعقل !"... وليس في عيني غزال! هو سيد الرجّال وقدرُه كلما عاش يكبُر.. الآن تحققت بعض أحلامه وكبُر ... وفي داخلي ...كنت أريده ألا يكبر ...
وجدتهُا له كما تمناها ودوداً، عفيفة، عزيزة في أهلها... راجحة عقل وستحبّ منه ما يحب منها " فلهُنّ مِثلُ الذِي عَليهنّ"، ووجدتها هينّة، لينّة، مؤاتية، تحمل إصرار الدنيا وحماس الطامحين وستحفظه في غيبته إن شاء الله. كل الذي تحتاجه المرأة أن يبيّن لها زوجها ما يحب لتأتيه وما يكره فتتركه، وإن رأى منها حسنات فلينشرها، وإن رأى سيئة فليسترها، دون أن يحرق كل المراكب العائدة...فخير نعيم الدنيا المرأة الصالحة.
وتذكرت التشاكي والتباكي دونما سبب والتسابق للجلوس بقربي وذاك الصخب.. والصراخ والحبو وأفعال العجب... وأنت مازلت تردد: "يا أمي أريد أن أكبر"! أكتب لك يا بنيّ ... والمفردات عندي تصفق كفاً بكف ... عاجزة عن الوصف فالروح مسكنكم، وقلب الأم لايسلو ولا ينسى، فلا تجعل حبل الوصل هزيلاً ، فكلما رحل أحدكم عن داري خَفَت سراج البيت وعدتُ أداريه مخافة أن ينطفيء..
وها قد كبُرت .. الآن في نظري فقط كبُرت.. وسأزفك تتأبط عروساً سبحان المعبود... ستكون لكَ الدنيا... فلا تخيّب رجاء أم ٍ صنعتْ لكَ الدنيا... فالعروق الطيبة تنبت الثمار المباركة بإذن الله. أودعك وألقاك على وعد أني سأراك أينما ألتفتْ ... وسأضمُ حنيني إلى حنين جدران البيت إليك.. وسأقرأ المعوذات وأنفخ ليحفظ الله لك النعم ويديم عليك الفضل ويزيدك سعة في الرزق ويهبك الذرية الصالحة.
مباركٌ ياخالد ... مباركُ ياعروس خالد..
الله خليفتي عليكم والمتولي لأمركم بارك الله لكما وعليكما وجمع بينكما بخير.