قضايانا الاجتماعية .. الغاية تبرر الوسيلة

متابعة الجدل الدائر في هذه الأيام على صفحات وسائل الإعلام التقليدي والإعلام الجديد بين النخب والتيارات الدينية والليبرالية حول قضايا سياسية كالوضع في مصر، وقضايا اجتماعية كالفقر وقيادة المرأة للسيارة، يُظهر بوضوح أن قيم الحوار تغيب كثيراً وتتوارى وراء مشاعر وعواطف تنطلق من قيم اجتماعية أو طائفية. إن غياب ''الموضوعية'' في الحوارات ليس بين عامة الناس فقط، بل بين رموز العلم والثقافة والدين، ممن يُحسَبون على التيار الديني أو الليبرالي وغيرهم. لقد وصل الأمر بطرف أن يرمي الآخر بأنه يدبر ''المؤامرات'' ضد مصلحة المجتمع، وفي المقابل بلغ الأمر بالطرف الآخر إلى فقدان التوازن واللجوء إلى ''السباب'' والقدح بأقبح الألفاظ والصفات دون مناقشة الأفكار والأطروحات! وخلال هذه الحوارات الساخنة غير ''الموضوعية'' تضيع أحياناً القضية الأساسية في خضم التركيز على الوسائل!
هذا الأسلوب أو الممارسة من قبل الطرفين لا يُسهم في حلحلة قضايانا الاجتماعية، بل يؤدي إلى نتائج وخيمة لا تحمد عقباها، منها ـــ لا قدر الله ـــ ''انقسام المجتمع''، كما يحدث في مجتمعات مجاورة. لذلك لا ينبغي أن ننسى قيم الحوار والموضوعية التي ننادي بها، عندما ندخل معترك الدفاع عن قضية تهمنا، ليتحول الهدف من تحقيق مصلحة المجتمع إلى الإجهاز على الطرف الآخر ''الخصم'' وإلحاق الهزيمة به!
وأنا أتابع ــــ كغيري ـــــ هذا الحوار يتضح بجلاء أن كل فريق لا يسمع ما يقوله الآخر، وليس لديه استعداد للمناقشة أو إعداد حجة موضوعية ومنطقية ضمن بيئة حوار هادئة، وإنما الهدف هو البحث عن أفضل أساليب الهجوم المبني على السباب والدخول في المسائل الشخصية أو الاتهامات بالخروج عن الملة! هذا الوضع الموبوء للمناقشة لا يتفق مع أهداف الحوار وأبجدياته التي من المتوقع أن تفضي إلى زيادة تفهم موقف كل طرف، ثم التقارب إلى أرضية مشتركة، وصولاً إلى ما يخدم مصلحة المجتمع التي لا بد أن يجمع عليها الجميع! ومما يزيد الطين بلة، أن كثيراً من أتباع كل طرف يتبعون منهج ''عقلية القطيع''، فيندفعون ويرددون ما تتفوه به قياداتهم دون تمحيص أو تدقيق!
وهنا يبرز التساؤل: ماذا حقق مركز الحوار في تهذيب أساليب الحوار حول بعض القضايا الاجتماعية ذات الحساسية العالية من أجل بلورة مواقف منطقية أو دلائل مقنعة تساعد المجتمع على اختيار الأفضل وترشيد القرار بما يخدم المجتمع، بعيداً عن العواطف والمشاعر والمهاترات! من المفترض أن يركز مركز الحوار على القضايا التي تشغل بال العامة وفق أطر يشارك فيها أصحاب الرأي من مختلف المشارب دون ''استثناء''، خاصة أن بعض الأصوات تتعالى مشيرة إلى عدم الشمولية في المشاركة كما هو مأمول! لا شك أن المركز يبذل جهوداً كبيرة، ويعقد العديد من الدورات وورش العمل، بل أنشأ ''أكاديمية للتدريب واستطلاعات الرأي''. ولكن لما يحمله مركز الحوار الوطني من حماس كبير وطموحات أكيدة لخدمة مصلحة المجتمع، فإن آمالنا كبيرة في أن يخوض في القضايا التي تشغل المجتمع وأن يتحمل المسؤولية لإشراك مختلف الأطياف، وكل ذلك يجعلنا نقول إن ''أكاديمية التدريب واستطلاع الرأي'' لا تزال بعيدة عن تحمل المسؤولية برصد نبض المجتمع واستطلاع الآراء والاتجاهات حول القضايا الاجتماعية التي تشغل المجتمع! ما فائدة مراكز استطلاعات الرأي إذا كان المجتمع يلجأ دائماً إلى استطلاعات غير علمية ''وغير موثوقة'' على مواقع شبكة الإنترنت!
وسؤال أخير يطرح نفسه: أين الجامعات؟ ولماذا تبقى بعيدة عن تنوير المجتمع حول القضايا الاجتماعية والتنموية؟ أليس من المفترض أن تقود التغيير الاجتماعي الإيجابي بدلاً من أن يقودها المجتمع، بل يتجاوزها في تناول قضايا سياسية واجتماعية وتنموية مهمة؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي