أدمغتنا الأربعة
لو عَرفت كيف يفكر من حولك لتفهمت مواقفهم وتجنّبت الخلاف أو التصادم معهم. لو فهم الزوج والزوجة طريقة تفكير كل منهما لأصبحت حياتهما الزوجية والعاطفية أجمل. لو تعرّفنا على نمط تفكير الموظف لوضعناه في مكان يتوافق مع تفكيره ومجموعة تلائمه وحسنّا بذلك بيئة العمل، فما الذي يحدّد طريقة تفكيرنا ويجعل منا أشخاصاً مختلفين عن بعضنا؟! إنه دماغك، ولكن هل نملك دماغاً واحداً أم أكثر؟!
منذ ستينيات هذا القرن ونحن لا نعرف إلا أن للدماغ قسميْن فقط أيمن وأيسر ولكل منهما وظيفته، وهذا ما اكتشفه العالم ''روجر سبيري'' ونال عليه جائزة نوبل لعام 1960، ثم جاء بعده العالم ''ماكلين'' في السبعينيات وتبنى فكرة أن الدماغ عبارة عن ثلاثة أدمغة ''الدماغ العقلي مسؤول عن التفكير والتطوير والتعليم، دماغ الثدييات ويضم الشعور والانفعال، دماغ الزواحف للطعام والشراب والأمن''.
في أواخر السبعينيات وبعد 15 عاماً من البحث دمج عالم الفيزياء والرسام والموسيقي ''هيرمان'' النموذجيْن السابقيْن في نموذج واحد رمزي وليس تشريحياً واحداً وقسّمه إلى أربعة أدمغة:
- الدماغ الموضوعي أو العقلاني: وأصحابه يهتمون بالحقائق ولغة الأرقام.
- التنفيذي يحترم أصحاب هذا الدماغ الأنظمة والقوانين ومرتبون.
- العاطفي يركز أصحابه على العلاقات مع الآخرين ومشاعرهم.
- الإبداعي تفكيرهم استراتيجي ويحبون التميُّز والمغامرة.
وبمعرفتنا باتجاه تفكير مَن حولنا وإلى أي كفة يميل نستطيع فهمه وتحديد طريقة التعامل معه. وتوصل هيرمان بعد تطبيق مقياسه المتكون من 120 سؤالاً على 500 ألف شخص، إلى أن 60 في المائة من الناس يفكرون بدماغيْن، و30 في المائة يفكرون من خلال ثلاثة أدمغة، و7 في المائة يسيطر عليهم دماغ واحد، أما 3 في المائة الباقون فهم يفكرون بالأدمغة الأربعة!
وبعد التحقق من دقته وفعاليته وعشرات المقالات العلمية وأكثر من 60 أطروحة دكتوراه تناولته، أصبح يطبق على نطاق واسع في دول كثيرة منها أمريكا، بريطانيا، فرنسا، تركيا، وأستراليا للتخطيط الاستراتيجي، وفي تطوير التعليم والتدريب ومختلف جوانب الحياة، وبما أن الشركات لا تترك أي مجال قد يزيد من إنتاجيتها وأرباحها، حرصت كبريات الشركات العالمية على تطبيقه لمعرفة أنماط تفكير الفرد والمؤسسة وتحفيز العاملين والتعرُّف على استعدادهم للعمل وقدراتهم الإبداعية. أولى هذه الشركات ''جنرال إلكتريك'' التي قاد هيرمان التطوير فيها لسنوات، وكذلك شركات: آي بي إم، شل، كوكا كولا، زيروكس، سيبا جايجي، موتورولا، والجيش الأمريكي، وبعض الجامعات، مثل جامعة تكساس، وجامعة جورجيا.
ولكن هذا المقياس لا يقيس الذكاء أو الجدارة أو التعرُّف على الأحوال الشخصية والخاصة، إنما يجعلك تفهم الآخر ويرفع من مستوى التخاطب والتفاهم بشكل إيجابي والذي نفتقده في مجتمعاتنا الصغيرة كأسر وبيئات عمل وفي مجتمعنا الأكبر وعالمنا العربي ككل، يكفيك أن تجلس عشر دقائق منصتاً لحوار تلفزيوني لكي ترى ما وصل إليه حالنا حتى المقالات في الصحف تكاد تنطق ويكون لها أيد تتخاصم بها.
ماذا لو طبّقنا هذا المقياس على أفراد مجتمعنا؛ كل في مجاله، خصوصا أن هناك مؤسسات تقوم بتحليل الاستبيان وتزويدك بالنتائج ما يجعل الموضوع أكثر دقة ومصداقية، لعلنا بذلك نتوصّل إلى تقليل حِدة الخلاف والاختلاف بين الناس ونحسن عمل فرق العمل ونرفع من مستوى الحوار ونحوّل الخلافات بين الأفراد إلى قوة إبداعية.