سبل الرشد في التصنيفات الفكرية !

أحترت بين مدلولات التصنيف الفكري والتصنيف الأيدولوجي وأنا على عتبة بداية اللقاء السابع للحوار الوطني المقام في الرياض خلال هذه اليومين بعنوان "التصنيفات الفكرية وأثرها على الخطاب الثقافي السعودي". فمفهوم الإيديولوجيا مفهوم متعدد الاستخدامات يتمثل في نسق المعتقدات والمفاهيم لدى الفرد سواءً كانت (واقعية وعيارية) يسعى من خلالها إلى تفسير ظواهر اجتماعية معقدة.

وكلنا يعلم أن من أبرز مهارات التفكير هو التصنيف، التصنيف للمعلومات والمعارف لبناء الاطار المرجعي للفرد بمعنى أننا نبدأ تلقائياً في وضع الأشياء في مجموعات وفق نظام معين في أذهاننا شكلاً وحجماً تصاعدياً، وتنازلياً مناطقياً وعشائرياً، ايدولوجياً وفكرياً. ولو تساءلنا من هو المفكر لتبادر إلى الذهن سراعاً ذاك الذي فسر سقوط التفاحة إلى أحضان الجاذبية، فالفكر هو نتاج فعل التفكير ويعيُر عنه نطقاً أو كتابةً أو حركة. فكل منا لديه أيدولوجيا لكن الفكر لا يصدر إلا عن المفكّر. وكلما زادت معارف الفرد وخبراته وتجاربه وأرتفع سقف التعبير من حوله ، كلما تأصل الفكر وأزدهر وتطور وساهم في رقي المجتمعات وديمومة الحضارات. فالتفكير حق والتصنيف تابع لذاك الحق.. وسيكون منّا يوم القيامة أصحاب يمين أو أصحاب شمال أو السابقون السابقون !!

وقد عدت إلى طاولة الحوار ومن حولي كثير يتساءلون: ماالذي حققه مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني إلى الآن على صعيد الوطن ؟ كنت أتأمل الوجوه من حولي سواء نخبة المشاركات من السيدات أم المشاركين من الرجال في الجانب الآخر من القاعة، وأرى أبجديات كسر الجليد وروح الأسرة الواحدة تتمثل في فريق عمل مركز الحوار (النسائي والرجالي) والاحترافية المذهلة التي يؤدون فيه عملهم دون هفوة أو تخاذل أو تقصير. ووجدت أن تلك الروح الوثابة تسري كالعدوى في وجوه الحاضرات ومن يشارك بالحوار . وعلى مدار 7 سنين واكبت فيها البرامج وشاركت بالحضور أو ورش العمل وكنت شاهدة على انجاز مشرّف أقول: أن مهمة الحوار هو تحريك وصناعة الفاعلية وايجاد مسارات اتفاق تعبر فيها المجموعات عن مصالحها وأرائها والوجع الذي يتقافز بداخلها. (في رأيي) أن مركز الحوار الوطني قد نجح في تكريس الجهد الجمعي نحو التوازن الرشيد ، وساهم ويظل يساهم في توسيع آفاق المجتمع والتخلص من المفاضلات البائسة.

جلسات الحوار الوطني كحقنة شافية في الوريد تكسب الواعي قيمة مضافة من الأدبيات والانتظام ومهارات الاستماع وأحقية الخلاف والابتعاد عن التنميط والتصنيفات وجهالات الأفضلية. وماتحقق معي وفي شخصيتي هو بالتأكيد التغيير نحو الأفضل، نحو المزيد من الامتنان لملك حنون (يحفظه الله) رعى ثقافة التحاور وأقام على شؤونها خير الناس، ونحو ألا أفقد الأمل في مؤسساتنا الوطنية لما تمتاز به من جودة أداء منظماتي. وأخيراً نحو استيعاب أدبيات الاختلاف وتقبل الأخر بل وايجاد نقاط مشتركة ومأسسة علاقات طويلة الأمد ننطلق منها نحو غايات منشودة.

وأعود للتصنيفات الفكرية في اللقاء السابع ، لاؤكد أن التباين حق أصيل للناس ولكن دور النقاش يكمن في ألا يتحول هذا التباين إلى صدام فكري يبتلع الأسس الراسخة التي تربينا عليها ، لأن الخلط الموجود في المفاهيم وازدواجية الممارسات هو الذي يغذي التصنيفات الفكرية في الخطاب الثقافي عموماً، فمتى مااقتنع المواطن بالمواطنة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فسيشعر بالانتماء وسيرعى هو بنفسه الاختلافات مادام التعبير عنها لا يحمل المزايدة على الوطنية.

دور المفكر والمثقف هنا ألاّ يتخلى عن مسؤليات التنوير وأن يشارك ويحلل ويفتح النقاش ليساهم (كما يقولون) في عقلنة الرؤية والثقافة والممارسة على كافة المستويات الوطنية. فكلنا راعٍ سيحاسبه الله على أمانة القلم والعقل والكتابة.
ليس بيننا الأصلي أو "التقليد" ... كلنا أبناء وطن واحد نفخر أن ننتمي لترابه الطاهر.

كل حوار والوطن بخير ،،،

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي