أبو 6 سنين حبيبي !!
في مكان ما وفي ساعة صفا وبحلول الشتاء الخجول، داعب مطر هتان رؤوسنا فجأة .. لتنفجر مشاعر الفرح على الشاطيء وتتناثر الدعوات والأحلام والأماني.. هكذا نحن أهل العروس نفرح بالزخات ونستجير من الصيّب إلا النافع.
جلس خلفي على الكراسي مجموعة بنات في العشرينات (4 بالتحديد) بصخب، وتكلمّن بصراخ وتحاورن كالغوغاء !! حضور كان لا يتناسب مع رقيّ المكان ولا روعة لحظات هتان المطر ... سماء تطرزها كرانيش سُحب وقوارب راسية تنتظر العطف منا بنظرة. في البداية بررت الصخب بفورة مراهقة "وفشة خلق" يروح بها عن النفس ..لكن ما حدث بعدها جعل الدماء تتيبس في عروقي. تركت مقعدها واحدة ليبقى ثلاث أخريات .. ثم هبط عليهن شابين إثنين من المارّة ليجلسوا بترحاب ويزداد الصخب .. وأنزوي أنا ومن معي من العائلة في حديثنا بهدوء محاولين التركيز في وجبة عشاء ساخنة.
بعدها عادت البنت "الرابعة" لتعاتب الثلاثة كيف سمحن للشابين بالجلوس وأخذ مقعدها وهم غرباء ،، وبصوت عالٍ رددتْ (جبتوهم من الشارع) ولا تعرفوهم فكيف يجلسوا معنا !! لم نكن نملك نحن المجاورين إلا أن نتابع بترفع ما يحدث فالطاولة للعوائل وهي ملاصقة لنا.. عليه نهضت البنت "الرابعة" الساخطة لتستحل طاولة أخرى معلنة أمام الملأ بصوت يصرخ (ما بقي إلا كدة ! من الشارع ويجلسون معنا !).
قلنا بنت رجال (محترمة)، لأنها جلست بعدها صامتة بعيداً عنهم لترتشف فنجان شاي ساخن بالنعناع، بعدها وجدنا شاباُ يتقدم إلى طاولتها بكل الثقة ليسحب كرسياً ويجلس .. واضحُ أنه لم يكن يتعرّف بل هو يعرف ويعرف. دقائق وبدأ التراشق الكلامي، فقد قام الشابان من المجموعة الأولى بمعايرتها أنها تجلس أيضاً مع شاب بمفردها وبصوت عال يرمون الكلمة بينهم كغراب أسود ضل الطريق وظل ينعق.. لترد هي بصفاقة مُخجلة (اللي معايا أبو 6 سنين حبيبي... أما أنتم فمعاكم أغراب من الشارع)!!!
أظنها كانت تتخيل أنها أصابتهم في مقتل ! والكل في ذهول واستنكار وغضب. ياهؤلاء رحمة ربي تتنزل ... والجو بديع وقوارب ونخل وموج ... وأنتم تمارسون فعل منكر ! تمنيت من قلبي لو أعرف أمهات البنات ليكونوا معي على (سكايب) ويروا نتاج صنيع التربية ونوع الجيل المخجل الذين يظنون أنهم أسدوا إليه فعل التربية ! هذا إن كانت لهم أمهات!
حدث هذا الموقف لتتصاغر في عيني بعض البنات ويتهاوى مقدار أشباه الرجال في نظري، فما كانت هكذا في عيني سلوكيات الوقاحة ولن تكون أبداً .. وقد فاق ما شاهدت الليلة سقف تخيلاتي.. أريد حقاً أن أعرف من هو المسؤول الذي ترك الحبل لهذه العينة على الغارب ؟ وما تفعل هيئة الأمر بالمعروف مع تكاثر الغوغاء وتصاغر القيّم وفقدان البعض للبوصلة الأخلاقية؟ تلك الفتاة وضحت أن (أبو ستة سنين ) هذا له دلال وحظوة وتعتبره على ما أظن محرمٌ شرعيّ لها .. بينما تستنكر (هداها الله) على صويحباتها الجلوس إلى (إثنين فقط) من الشارع!!
مهزلة والله أن تتجرد الأنثى من الحياء والخجل وتمارس فعلاً مشيناً على مرأى من الجلوس والمارّة وكأنه طبيعي وعادي ذاك الذي تفعلّ! جمال الأنثى الجوهري يظل في هدوء الردود ولطافة الضحك وعدم رفع الصوت عند الحديث مع الآخرين ، وقد فقدت هؤلاء ذلك بالتأكيد.
ليت القوارب تستر العوار.. وليت المطر يهطل فيغسل الخطايا.. وليت بنتاً وهبها الله الأنوثة والعفة أمانة ، ستسأل عنها يوم الدين، تعي معنى الفضيلة! وليت أماً وأباً يتابعون فكلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته ! وليت شباباً يحفظون ماء وجوههم ويرعون الله في مراهقتهم، فكما تدين .. (من بيتك) .. ستُدان !!
غادرنا المكان بعد أن غدرت بنا اللحظة ... وشوّه هؤلاء ذكرى هتّان المطر .. رحلنا قبل رحيل (أبو 6 سنين) وزمرته غير مأسوف عليهم.. كنت أردد وأنا راحلة : سيظل شاطئنا نظيفاً طاهراً فالعيب عيب ولو ذبحوه بسكين.
فاللهم لا تؤاخذنا بما فعل السُفهاء منا ...