الصناعات السعودية الحديثة

يتميز الاقتصاد السعودي ــ كما هو معروف ــ بوفرة هائلة في إيرادات البترول بشكل جعل الحكومة السعودية تنتهج سياسة الإنفاق الحكومي المتعاظم لتنفيذ مشاريع البنى التحتية فى مختلف مدن وقرى وهجر المملكة المترامية الأطراف.
بمعنى أن الحكومة السعودية عملت على استغلال هذه الوفرة النفطية بكفاءة عالية، حيث وجهت الوفورات المالية نحو دعم وتنويع القاعدة الاقتصادية والإنتاجية، خصوصًا في مجال الصناعات البتروكيماوية والصناعات التحويلية.
ونستطيع القول إن المملكة نجحت خلال العقود الأربعة الماضية في تحقيق نقلة تنموية وحضارية مكّنتها من التحول من مجتمع بسيط إلى مجتمع صناعي واعد.
وبفضل هذه النقلة الكبرى، تبوأت المملكة مرتبة مرموقة وضعتها بين أكبر 24 اقتصادا على مستوى العالم.
وتُعد قطاعات البناء والتشييد، والصناعة، والكهرباء والغاز والمياه من أهم القطاعات الإنتاجية المحركة للنشاط الاقتصادي الوطني.
ويصف صندوق النقد الدولي الآفاق الاقتصادية للمملكة بالإيجابية في الأجل القريب، ويتوقع الصندوق أن يبلغ نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي الكلي 4 في المائة خلال عام 2013، و4.4 في المائة خلال عام 2014.
ويتوقع الصندوق أن تساعد المشاريع الضخمة في قطاع النقل، والبنية التحتية، والتعدين؛ على دعم ارتفاع النمو في القطاع الخاص في العام الجاري إلى 6.5 في المائة.
أما آفاق الاقتصاد السعودي في الأجل الأطول، فتعتمد - وفقا للتقرير- على نجاح مبادرات الإصلاح والتطورات في سوق النفط العالمية، إذ يُتوقع في السنوات الخمس المقبلة أن ينمو الناتج النفطي نموا طفيفا في أفضل الأحوال، وسيكون القطاع الخاص المحرك الأساس للنمو، كذلك أشار تقرير صندوق النقد الدولي إلى أن السعوديين يعملون في القطاع العام في الأساس، في حين يستحوذ غير السعوديين على الجزء الأكبر من وظائف القطاع الخاص، في وقت تنخفض مشاركة النساء في القوة العاملة.
وتفرض الضغوط الديموغرافية، الناتجة من النمو السريع في عدد السكان، وأغلبيتهم من صغار السن؛ تحديات أمام صانعي السياسات من حيث توفير فرص عمل جديدة، وتلبية حاجتهم إلى السكن.
وتهدف سياسات سوق العمل إلى تحسين مهارات العاملين السعوديين، وزيادة معدل توظيفهم في القطاع الخاص، وأدت الاستثمارات في مجال التعليم إلى زيادة إنتاجية العاملين السعوديين، وتعزيز قدرتهم على شغل وظائف القطاع الخاص ذات الرواتب المجزية.
لكن من ناحية أخرى، فإن القطاع الصناعي احتل موقعاً استراتيجيًّا في الاقتصاد السعودي حيث يسهم بأكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي، ويعتبر القطاع الاقتصادي الأول في السعودية. ونتيجة لارتفاع أسعار النفط العالمية، تزايدت نسبة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي من 37.6 في المائة عام 2001 إلى 57.5 في المائة عام 2008. أما القطاع الصناعي التحويلي، فقد أسهم بنسبة 8.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وفى تقرير نشرته وزارة التجارة والصناعة قالت إن عدد المصانع المنتجة في المملكة وصل إلى 4167 مصنعًا فشكل بذلك حصيلة نهضة صناعية حولت المملكة خلال فترة وجيزة من بلد يستورد معظم احتياجاته إلى بلد يصنع كثيرًا من المنتجات فضلا عن تصدير جزء كبير منها. ولقد قدرت الإحصاءات الرسمية إجمالي رأس المال المستثمر في هذه المصانع بنحو 95.86 مليون دولار، أما عدد العاملين فيها فارتفع إلى نحو 467 ألف موظف وعامل. كما أسهم صندوق التنمية الصناعية السعودية في تطوير ودعم القطاع الصناعي من خلال تقديم القروض الصناعية للمستثمرين. كما تُقدم الدولة الكثير من الامتيازات والتسهيلات الأخرى مثل الإعفاءات الجمركية وخدمات الكهرباء والماء وغيرها، ما انعكس إيجابًا على نمو وتطور القطاع الصناعي وجميع الأنشطة الاقتصادية، وأشار تقرير وزارة التجارة والصناعة إلى أن المملكة تعتبر من أهم دول العالم في إنتاج وتصدير البتروكيماويات نظرًا لما تتمتع به من ميزة نسبية فيما يتعلق بتوافر الغاز الطبيعي وانخفاض تكاليف نقله، ويمثل إنتاج المملكة نحو 7 في المائة من الإنتاج العالمي للمنتجات البتروكيماوية الأساسية، ونحو 70 في المائة من إنتاج دول مجلس التعاون الخليجي من هذه المنتجات، وتضم هذه الصناعة مجموعة كبيرة من الشركات الرائدة في هذا المجال، يأتي على رأسها شركة سابك التي تقود هذه الصناعة منذ الثمانينيات، وتستحوذ على 95 في المائة من الإنتاج المحلي من البتروكيماويات، كما تمتلك الحكومة حصة تقدر بنحو 70 في المائة من أسهمها، بينما يتملك المواطنون نسبة 30 في المائة المتبقية، وتتبع «سابك» نحو 17 شركة فرعية في المملكة تعمل وفقًا للمقاييس العالمية، وتدخل ثماني شركات منها في شراكة أجنبية، وهناك ست شركات تضامنية محلية مع مستثمرين محليين وإقليميين يتبعها 12 مصنعاً للمواد الكيماوية، وأربعة مصانع للأسمدة ومصنع واحد للمعادن.
وفى ضوء هذه الأرقام فإن الاستثمار في مجال البتروكيماويات يضع المملكة ضمن أهم الدول ذات الاستثمارات المرتفعة العوائد بعد الاستثمار في النفط، ، ومن ناحية أخرى يعتبر الاستثمار في هذا القطاع من الاستثمارات الآمنة وقليلة المخاطر والجاذبة للاستثمارات الوطنية والأجنبية.
ووفقاً للبيانات الصادرة من مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات، سجلت صادرات المملكة غير النفطية ارتفاعًا بلغت نسبته 16.4 في المائة.
كما أن استراتيجية تنمية الاقتصاد الوطني التي اعتمدتها خطط التنمية أكدت أهمية تنويع مصادر الإنتاج والدخل في المملكة. وفي هذا الإطار، تم تكثيف الجهود على المستويين العام والخاص بهدف إقامة قاعدة للصناعات الوطنية، فقد نفذت الدولة العديد من مشاريع البنية الأساسية الضخمة، والمرتبطة ارتباطًا مباشراً بالصناعة بهدف تلبية متطلباتها. كما تم تأسيس مشاريع الصناعات البتروكيماوية الأساسية، ومصافي النفط الخام الكبيرة التي مهدت الطريق لتعظيم الاستفادة من ثروات المملكة من النفط الخام والغاز، من خلال إيجاد وتطوير قطاعات وأنشطة صناعية تسهم في زيادة الإنتاج والدخل الوطني وفي زيادة صادرات المملكة.
كما أسست الدولة صناديق التمويل والمؤسسات المعنية بدعم منشآت القطاع الخاص الصناعية ورعايتها: صندوق التنمية الصناعية السعودي والصندوق السعودي للتنمية وهيئة تنمية الصادرات، وعملت على إنشاء المؤسسات لتوفير متطلبات التدريب التقني والمهني لتأهيل القوى العاملة.
وفى ضوء هذا الكم من الإنجازات التى حققتها المملكة على صعيد بناء ترسانتها الصناعية الحديثة، فإن الاقتصاد السعودي سيبلغ أعلى درجات النمو والتقدم في العقد المقبل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي