أولويات الاقتصاد السعودي وتوجهاته في عام 2014
تحدد الاقتصادات العالمية أولياتها وتوجهاتها على الأمد الطويل، ولا تحدث عادةً تغيرات مهمة على هذه الأولويات خلال الفترات القصيرة التي تبلغ عاماً أو تقل عنه. وكسائر بلاد العالم ليس من المتوقع أن يحدث أي تغييرات جوهرية على أولويات وتوجهات الاقتصاد السعودي خلال عام 2014. وسيستمر الاقتصاد السعودي في تبني نفس الأولويات والسير بشكل تقريبي على نفس التوجهات، الذي كان سائراً عليها في الأعوام القليلة الماضية، ولو حدث أي تغيير فسيكون في وتيرة التوجهات وسرعة تنفيذ المراحل وتحقيق الإنجازات. وتتركز أولويات المملكة بشكل عام على مجالات الدفاع عن القيم التي تؤمن بها، والحفاظ على الأمن الوطني، والسلم الاجتماعي المحلي، وتنمية كافة أرجاء البلاد والمجتمع بكل أطيافه. وستستمر الدولة في قيادة الأمة على تحمل أعباء هذه المسؤوليات، وستستخدم السياسة المالية كأهم أدوات تحقيق الأهداف وتيسير تحمل المسؤوليات. وستواصل السياسة المالية بشكل رئيس دفع عملية التنمية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، حيث سيتم تركيز الإنفاق على التنمية البشرية وخصوصاً التعليم والرعاية الصحية، كما سيستمر التوسع في الإنفاق على البنية الأساسية، وتشغيل المرافق العامة للدولة والتي تقدم خدماتها للمجتمع بكافة مكوناته.
وسيشكل الإنفاق الحكومي وكما كان سائداً منذ فترة طويلة القاطرة التي تقود الاقتصاد الوطني. وسيوالي الإنفاق الحكومي النمو خلال العام المقبل ولكن بمعدلات أقل، حيث ستحد الدولة من معدلات نمو الإنفاق العام الذي نما إلى مستويات قياسية في الأعوام الأخيرة. وقد تتباطأ معدلات نمو الإنفاق الحكومي بشكل أكثر إذا شهدت الإيرادات النفطية أي فتور. وستحدد التطورات التي ستحدث في أسواق النفط العالمية أسعار النفط ومستويات الطلب على نفط أوبك ومن ضمنها المملكة، والذي سيحدد حجم الإيرادات النفطية التي ستستمر في تشكيل معظم الإيرادات.
ومن المتوقع أن يستمر الإنفاق الحكومي عند مستويات مرتفعة وحتى لو حدث تراجع محدود في الإيرادات النفطية. وسيؤثر مستوى الإيرادات على حجم الفائض المالي بالدرجة الأولى والذي سيشهد تراجعاً خلال العام المقبل. وستستمر الدولة في الإنفاق على مشاريع التنمية البشرية والبنية الأساسية وعلى نفس وتيرة الأعوام السابقة نتيجةً لرصد مبالغ ضخمة من فوائض الأعوام المالية السابقة، والتي ستنفق على مشاريع سبق الالتزام بها، وأهمها مشاريع الإسكان والنقل العام وتوسعة الحرمين. ومن المتوقع أن يتوسع الإنفاق على مشاريع الإسكان بسبب انتهاء الترتيبات الأولية لبدء هذه المشاريع. كما أن من المتوقع التغلب على بعض العوائق التي بطأت من تنفيذ مشاريع النقل العام، كتسهيل استقدام العمالة الماهرة لمشاريع المترو. وسيستمر الإنفاق أيضا على المشاريع الأخرى القائمة حتى استكمالها مهما كانت الظروف لتوفّر فوائض مالية ضخمة من الأعوام السابقة. وسيتواصل الإنفاق الجاري على نفس وتيرة الأعوام السابقة، حيث ستنمو مستويات التوظيف في الدولة، والتحويلات للفقراء والمحتاجين، والعاطلين عن العمل، كما سيتواصل دعم المواد الأساسية. وستستمر الدولة في شراء السلع والخدمات من القطاع الخاص ولكن قد يطرأ بعض الترشيد إذا كان هناك تراجع ملموس في الإيرادات.
وسيدعم الإنفاق الحكومي بشقيه الجاري والرأسمالي أنشطة القطاع الخاص، مما سيعزز النمو في ناتج القطاع الخاص. وستبقى النظرة التفاؤلية للقطاع الخاص ويتواصل الإنفاق الرأسمالي في كافة القطاعات، مما سيدعم نمو الناتج المحلي الإجمالي. وسيتواصل نمو إنفاق الأسر على شراء المساكن وعلى السلع الاستهلاكية مساهماً في الحفاظ على معدلات نمو ناتج القطاع الخاص عند مستويات مرتفعة. وسيساهم هذا الإنفاق في دعم أسعار العقار والمنتجات الاستهلاكية ويرفع من حجم الواردات والعمالة المستقدمة. وستتواصل إصلاحات سوق العمل والتي منها الضغط على القطاع الخاص لتوظيف المزيد من العمالة المحلية وتنظيم العمالة الأجنبية بشكل قانوني. وهذا سيوفر المزيد من الوظائف في القطاع الخاص للعمالة المحلية، ولكن قد تعاني بعض القطاعات من شح العمالة مما سيرفع من تكاليف بعض الخدمات والسلع التي ينتجها القطاع الخاص.
وليس من المتوقع أن يحدث أي تغيير جوهري في السياسة النقدية، حيث ستستمر سياسة التيسير النقدي المتبعة منذ عدة سنوات، مما سيحافظ على معدلات الفائدة عند مستوياتها المتدنية الحالية. وستدعم هذه السياسات نمو القروض الخاصة مما سيساهم في دفع الطلب الكلي في الاقتصاد. وستحفز السياسات النقدية والمالية التوسعية الطلب الكلي لقطاعات الأعمال والأسر مما سيرفع الطلب الكلي في الاقتصاد ويرفع من معدلات نمو القطاع الخاص والواردات والتحويلات. وسيؤدي تزامن التيسير النقدي والسياسة المالية التوسعية وإصلاحات سوق العمل إلى استمرار الضغوط على المستويات العامة للأسعار، وهذا يعني استمرار الضغوط التضخمية المتوسطة على الأسعار واستمرار معدلات التضخم عند مستويات قريبة من المستويات الحالية.
ومن المتوقع أن تؤدي السياسات المالية والنقدية التوسعية إلى دعم النمو الكلي في الاقتصاد غير النفطي، بينما قد يشهد القطاع النفطي بعض التراجع بسبب ارتباطه بالعالم الخارجي بشكل أكبر. وسيؤدي تباين توجهات ومعدلات نمو القطاع غير النفطي والقطاع النفطي إلى تراجع محدود في معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي في عام 2014 عن مستوياتها المرتفعة في الأعوام القليلة الماضية.