عُصابة يا بابا ؟!

من أجل ذاك اللوم الإعلامي وتلك الحسرة التي يتوارى خلفها خيال الشماتة ، ومن أجل تلك الأمنيات والمحاولات التي نفخ في روحها حماس المرشحات وجدارة البرامج الانتخابية التي كنّ يلوحن بها ... أردت أن أعلق حبل غسيل شامخ يربط بين نتائج الانتخابات وهموم البدايات وأعرض الأسباب قطعة قطعة حرصاً على نشر الناصع من البياض.

التظاهرة الحضارية لانتخابات الغرفة التجارية الصناعية بجدة والتي نتج عنها التصويت لصالح 7 مرشحات بواقع 497 صوتاً من إجمالي الأصوات المعلنة والبالغ عددها 7140 صوتاً لفئة التجار والصنّاع، بلغت فيها نسبة التصويت للسيدات 6.9% من أجمالي الأصوات. بينما حصل المرشحون من الرجال وعددهم 39 مرشحاً على 6643 صوتاً من الترشيحات الرجالية والنسائية.

وفي تحليل سريع لتلك النتائج ومن خلال الوقوف على سير العملية الانتخابية والترتيبات المتقنة الظاهرية التي لفتت سمع وبصركل من تواجد خلال أسبوع الانتخابات، وجدنا تصاعدأ في وتيرة لوم السيدات على ضعف التحضيرات وعدم تركيز الرسالة الانتخابية في استقطاب الأصوات المؤثرة والداعمة (ذات النفوذ) لترشيح السيدات. ومن الملفت للمراقب أن القائمة الكلية للناخبين شملت 172813 صوتاً محتملاً بينما بلغت نسبة المشاركة في التصويت 4% تقريبًا، وهذا يشير إلى أن الغالبية الساحقة من الناخبين لا تلقي بالاً لانتخابات الغرفة التجارية ولديها من الأسباب ما يدعو لعدم المشاركة في مثل هذا المهرجان (السخيف)!

وكأن العزوف والتمنع من باقي الناخبين هو إعلان رفض ساخر يسلب العملية الانتخابية أهدافها وأهمها تعزيز الثقافة الانتخابية كداعم هام للدور الجوهري الذي يفترض أن تقوم به أي جهة أو مؤسسة خدماتية رسمية أو غير رسمية.

هناك أخطاء وتجاوزات حدثت في انتخابات الغرفة الصناعية والتجارية بجدة وفق الرأي القانوني للمستشار علي العقلا توجب إعادة الانتخابات فمثلاً المادة (36) تنص على "أنه لا يحق لأحد المرشحين أن يتصل بالناخبين داخل غرفة الانتخابات، بمعنى أن لا يكون هناك أي اتصال بين المرشح والناخب في غرفة الانتخاب"، والذي حصل أن أسراباً من مندوبات كل مرشح ومرشحة في قاعة الانتخابات كن يهجمّن على الناخبة بمجرد الوصول إلى مدخل البوابة ويبادرن بالسؤال (من سترشحين؟) (حضرتي من أجل من ؟) ويبادرن بتوزيع الكتيبات والورود والحلويات لاستعطاف الداخلين قبل الوصول إلى لجزء المعزول داخل غرفة الترشيح.

وقد أسفرت النتائج عن انتخاب من تم انتخابه واختيار القديرالشيخ/ صالح كامل رئيسًا لمجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بجدة، وقد اشترط بأريحية أن تتم إعادة الانتخابات كل عامين، مشدداً أنه "لا يجب أن يظل شخص في منصبه إلى الأبد، فالوطن يحتاج إلى خبرات الجميع، والخدمة العامة هي الأساس وليس التنافس أو الصراع على المناصب".

والسؤال: هل في هذا التدبير ما يكفي لحفظ ماء وجه مجلس إدارة الغرفة التجارية في ظل تكرار الوجوه واستمرار الأجندة ذاتها؟ ومن قال أن فئة معينة هي الأجدر بالسيطرة على الغرفة التجارية في سياسة يتوقع أن تعكس المصالح الخاصة في المقام الأول؟ وهل تواجد المرأة ومن ثم لومها لدرجة مستفزة سينأى بوزارة التجارة عن اللوم والمحاسبة ؟

وفي قرائتي لتحليل نتائج الانتخابات للأستاذة/حنان حميدان التي أشارت إلى "أن الفشل الحقيقي في استقطاب الناخبين يُعزى لوزارة التجارة والغرفة التجارية، وينبغي إجراء دراسة لفهم المشكلة والاعتراف بصراحة أن العملية الانتخابية بشكلها الحالي وإطار مجلس إدارة الغرفة التجارية لا يعبر عن 96% من أعضاء الغرفة التجارية الباقين! أما شأن دخول المرأة الانتخابات وإثبات جدارتها فهي مسألة أخرى ويمكن الاستفادة منها بالتركيز على إضافة قيمة تتجاوز مجرد النوع (الجندرية) إلى الكفاءة والخبرة، مع التخطيط السليم لإقناع الناخبين".

ماتمارسه وزارة التجارة والصناعة (في رأيي) يعطل الدور الحقيقي للعملية الانتخابية ويحول دون إصلاح اللامركزية الإدارية في مؤسسة خدماتية، عبر الحفاظ على العلاقة الزبائنية التي تربط التجار والصنّاع بقواعدهم الانتخابية المحلية، ثم لاتوفر لهم سلطات محلية بديلة ومنافسة تلبي احتياجاتهم. فيقتصر دور أكثرية أعضاء مجالس الإدارة داخل الغرف التجارية ولجانها (أو غيرها من المؤسسات الخدمية) على المطالبة بأمور خدماتية لمناطقهم وتجارتهم معتبرين ذلك من الأعمال التي تساهم في صناعة السياسات العامة بينما هي تدور في أفلاك أصحاب المصلحة .

إن قوة الشعور بالولاء الوطني والمواطنة المسئولة، تتطلب أن يشارك الفرد في الحياة العامة، وأن يسهم طواعية في الارتقاء بالمجتمع الذي ينتمى إليه، والمطلوب في المرحلة القادمة (بعد تعلم الدرس) هو التركيز على تعزيز الثقافة الانتخابية والتوافق بين ثقافة النخبة والجماهير حرصاً على دعم الاستقرار، وعدم التلويح (بالجوكر) النسائي لمجرد تحقيق مكاسب أمام المشهد الدولي ثم العودة إلى إلقاء اللوم على المرأة السعودية (التي شرّفت بحضورها وتمثيلها عملية الانتخاب) لمجرد أن الممارسات جديدة على ثقافة المجتمع!

العُصابة هي ما يشدُّ به الرأس كالعمامة أو التاج، وأمنياتي بعد كل هذا، أن يشدّ رأس الناس بمن تم انتخابهم وتعيينهم من رجال وسيدات للنهوض بالمجتمع الذي ينتمون إليه.

يا وزارة التجارة أعترفوا وأتقوا الله وأصلحوا .....

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي