التعليم العام .. إلى أين المآل؟

تحدثت في مقالي السابق بصحيفة "الاقتصادية" في عددها رقم (7654) بمقالة عنوانها "المواطن بين مطرقة التعليم الأهلي وسندان التعليم العام"، وكان أحد الاستفسارات يبحث عن أسباب قيام المواطن بترك المدارس الحكومية رغم أن الدولة تصرف على تكلفة التعليم لكل طالب ما متوسطه 20 ألف ريال، ويختار بدلا من ذلك المدارس الأهلية الذي يتحمل فيه ولي الأمر ما متوسطه 15 ألف ريال، وذلك حسب احصائيات معلنة. وقد سبق أن قرأت أيضاً أن عدد الطلبة لكل معلم في المدارس الحكومية هو 12 طالبا، حيث إن عدد المعلمين يزيد على 500 ألف معلم ومعلمة في التعليم العام في السعودية. وكانت إجابتي المختصرة، بأن المواطن وجد في المدارس الأهلية ما لم يجده في المدارس الحكومية، وسأتطرق للتفاصيل لتوضيح الإجابة السابقة المختصرة.
من أجل الإجابة بشكل منهجي ومسبب، فإنه يجب توضيح متطلبات الأسرة من المدارس المختارة لفلذات أكبادهم، وهي كالتالي:
1- طاقم من المعلمين الجيدين.
2- مرفقات وتجهيزات للتعليم مناسبة.
3- إدارة مدرسية حريصة ولديها اهتمام بالطلبة.
4- ومناهج وساعات تعليم كافية.
بالنسبة للفقرة الأخيرة والمرتبطة بالمناهج، فإن تطوير المناهج هو أحد برامج مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم العام، وقد قام بعمل جبار وملحوظ في التطوير فاستفاد منه التعليم العام وكذلك الخاص، حيث إن المناهج واحدة إذا استثنينا المدارس الدولية. ولكن نجد المدارس الخاصة قد تفوقت في هذا الجانب لأنها قامت بتكثيف اللغة الإنجليزية منذ بداية الصفوف الأولى، وأضافت كمية الحصص لاستيعاب المناهج المتطورة والمليئة. أما ما يتعلق بالمتطلب الثاني لأولياء الأمور وهو مرتبط بالمرفقات والتسهيلات المدرسية فهو متطلب لا يمكن ترجيح كفة على الأخرى، فهناك مدارس حكومية ذات مبان نموذجية وتسهيلات متكاملة وفي المقابل هناك مبان غير مؤهلة لتوفير بيئة التعليم، وهذا الأمر موجود في التعليم الأهلي كذلك، لذا لا يمكن تفضيل أي جانب على الآخر.
لننتقل الآن إلى الموارد البشرية من إداريين ومعلمين، فالمطلب الثالث هو وجود إدارة مدرسية لديها الحرص على التطوير والاهتمام بالطلبة من أجل توفير بيئة تعليم مناسبة. وهذا الجانب فيه ضعف في "بعض" المدارس الحكومية، وقد يكون هذا موجودا في المدارس الأهلية ولكنهم أكثر تقبلا للنقد وتلقي الملاحظات وذلك على ما أعتقد مرتبط برضى العميل وتحقيق رغباته. وأتذكر مرة أن عددا من طلبة المرحلة الابتدائية لمدرسة حكومية يركضون في الشارع الأمامي للمدرسة وبين السيارات التي في المواقف، وكادت تحصل حالات دهس أمامي، وعند نقل الملاحظة للمشرف الدراسي قال "وما دخلي أنا، هذه مسؤولية أولياء الأمور الذين تأخروا في أخذ أبنائهم"، رغم أن الأبواب فتحت منذ خمس دقائق فقط. بينما نجد أن المدارس الأهلية تحرص على عدم خروج الطالب وخاصة في مرحلة الابتدائي إلا مع ولي أمره أو مرافق خوفاً من المسؤولية، وهذا المثال يمثل أبسط أبجديات المسؤولية الإدارية في المدارس. لن أتحدث عن جانب الانضباط الإداري لأنه سيطول، فنجد مرحلة كاملة لم يتعلم طلابها في صفوف مختلفة مادة العلوم بسبب عدم وجود مدرس أو أن المدرس يقوم بتغطية نقص معلم في مرحلة أخرى. أما عذر تغيب المدرس فمجاله واسع والإدارة عاجزة عن فعل أي شيء.
والمتطلب الأخير والمهم، والذي أعتبره مربط الفرس هو توافر طاقم من المعلمين الجيدين، وهذا المتطلب الذي دائما ما يبدأهُ أي ولي أمر عند سؤاله عن أسباب اختياره المدارس الأهلية. لكن من الاجحاف ذكر أن مدرسي المدارس الأهلية أفضل من المدارس الحكومية، ولتوضيح الأمر فإن كل منظومة عمل هناك من هو مميز ومرض وغير المقبول من الموظفين، وهذا تصنيف متعارف عليه. فالقطاع الخاص بإمكانه بسهولة الاستغناء عن كل موظف كان أداؤه ضعيفا والبقاء للأفضل، وهذا لا يمكن فعله في القطاع العام، مما يؤثر سلبا في البقية، وتبعاً لذلك فإنه يقع على الجميع حكم الضعف والاستهتار حتى وإن كانوا مبدعين، فصفة التعميم يسيرة على العامة. إذا ما هو الدور الذي يجب أن تقوم به وزارة التربية والتعليم خاصة في جانب الكوادر البشرية من معلمين وإداريين؟ أولا: يجب أن يكون تعيين المعلم مبنيا على ضوابط عالية، لكي يتم استقطاب الأفضل خاصة مع وجود أنظمة يصعب فيها الاستغناء عمن هو ضعيف الأداء. ثانياً: تفعيل مبدأ الثواب والعقاب، لكي تحفز المبدع ويستمر في إبداعه وتردع المستهتر ليعدل من سلوكه أو يضيق به الحال ويترك القطاع التعليمي. ثالثاً: يجب أن تقوم الوزارة بالبذل في إعطاء الدورات وتطوير المهارات اللازمة في التعليم، فالمعلم لديه من الوقت ما يكفي عند توقف المدارس، وإجازات المدارس في السنة تتجاوز الأشهر الثلاثة بالإمكان الاستفادة من بعضها لتطوير المهارات اللازمة في كل معلم.
وأخيراً، فإن المطلع على ما تبذله وزارة التربية والتعليم من جهود لتطوير التعليم يعي أن هناك رغبة صادقة في التطوير والرقي برسالة العلم ونشره، وإعداد جيل متعلم يكون عمادا لهذا الوطن. لكن هذا الجهد يجب أن يٌبذل بشكل متناسب مع أركان التطوير الأخرى لكي تظهر لنا النتيجة المبتغاة. ولعلِ أشدد بأن تطوير الكوادر البشرية من معلمين وإداريين له الأثر الأبرز في تطوير مسيرة التعليم، ومن ثَمَ عودة الثقة لأولياء الأمور بوضع أبنائهم في المدارس الحكومية، لأن كل المحفزات ستكون متوافرة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي