هل تقوم الجهات الحكومية بدورها التوعوي؟
يقع على عاتق عدد من الجهات الحكومية واجب تقديم النصح والتوعية التثقيفية لدى مختلف فئات المجتمع بمختلف أعمارهم من أجل حمايتهم والتعريف بحقوقهم والتذكير بالتزاماتهم وواجباتهم، ولهذه العملية التوعوية الأثر الواسع في إيجاد مجتمع يحمل الثقافة الكافية من جراء أي تصرف يُقدم عليه أو أي التزام يقع على ذمته. ولعلّي في هذا المقال سأتطرق للتوعية الحقوقية، وأذكر بعض الأمثلة على جهات قامت بجانبها التوعوي بشكل إيجابي، وأخرى قصرت في هذا الجانب.
وسنبدأ بالأمثلة الإيجابية، وخير مثال في هذا الجانب هو وزارة التجارة والصناعة، والمطلع على أنشطة الوزارة يجد الكثير من الأحداث والفعاليات التثقيفية المقدمة للمستهلكين من أجل تعريفهم بحقوقهم وتوضيح أساليب الاحتيال والنصب المحتملة على العملاء من قبل بعض التجار ضعاف النفوس، وقامت أيضا بتبسيط النصوص القانونية للعامة الواردة في الأنظمة واللوائح التي توضح التزامات التاجر أو الوكيل تجاه المستهلكين. هذا النشاط الملحوظ كان في أعلى مراحله بعد تولي الوزير توفيق الربيعة الوزارة، ونتمنى استمراره على هذه الوتيرة. والمثال الإيجابي الثاني هو الهيئة العامة للغذاء والدواء، التي لديها نشاط ملحوظ في توعية المستهلكين، بل إنها قامت بواجبات جهات أخرى موجودة مثل وزارة الصحة أو غير موجودة ويفترض وجودها مثل جهاز حماية المستهلك، وكان هدف الهيئة الأسمى هو إثراء المعرفة للمستهلكين وحمايتهم بتحذيرهم من كثير من المنتجات الضارة، ولو عُدنا بالزمن لأكثر من سبع سنوات لوجدنا أن هناك منتجات ضارة تُعرض في الأسواق دون تحذير أو منع من أي جهة حكومية، ولم يكن هناك من يحذر العامة بأضرارها؛ وهذا ما يُحسب للهيئة ذات العمل المنهجي المتطور وإدارته الإعلامية النشطة.
وفي المقابل، هناك بعض الأمثلة السلبية في الجانب التوعوي، ولا نهدف هنا إلى القدح في الجهات أو التقليل من مكانتها، بل نرجو منها التفاعل والتنبه للمسؤوليات التي على عاتقها. والمثال الأول في جانب الضعف التوعوي للمستهلكين هو الهيئة العامة للطيران المدني، والمستهلكون في هذا المثال هم المسافرون. فالمطلع على أنظمة الطيران المدني، والاتفاقيات الدولية للنقل يعرف أن هناك العديد من الحقوق للمسافرين مثل ما عليهم عدد من الالتزامات تقوم شركات الطيران بالتفنن في استعراضها والتذكير بها للمسافرين. وأعتقد بأن هناك ضعفا إلى حد ما بمعرفة هذه الحقوق في السعودية، والسبب في ذلك يعود لثقافة أن لدينا ولفترة طويلة شركة واحدة تقوم بالنقل الجوي، وأن تعريف الناس بحقوقهم قد يرهق شركة النقل الوحيدة ماليا، هذا بالإضافة إلى وجوب إيجاد قنوات نظامية لاستقبال النزاعات والشكاوى والفصل فيها، مثل لجنة النظر في مخالفات نظام الطيران المدني.
إن عدم معرفة المواطن بحقوقه النظامية يجعله فريسة سهلة حتى ضد بعض شركات الطيران الأجنبية التي تقوم بتأخير رحلاتها أو إلغائها دون سابق إنذار أو تعويض، وأيضا في حالة إضاعة الحقائب أو الممتلكات، فالمطلع على الاتفاقيات الدولية مثل IATA الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا) والملزمة على أغلب شركات الطيران، وحسب اتفاقية مونتريال واتفاقية وارسو، فإن حدود المسؤولية على الناقل (شركة الطيران) قد تبدأ من (2500) ريال وحتى (6500) ريال في حال تلف أو فقدان الأمتعة أو تأخرها وذلك للراكب الواحد. أما في حالة تأخر الرحلة ووجود ضرر على المسافر فإن مبلغ التعويض قد يصل إلى (25 ألف) ريال لكل مسافر، وبالطبع يجب التنبيه بأن هذه المبالغ هي الحد الأعلى في المسؤولية القانونية للتعويض، ولا يعني إلزام الشركة بها إلا بعد الإثبات والتقدير. ومجال شرح الحقوق واسع ولن تكفي عدة مقالات في توضيحه للقارئ الكريم، لكن السؤال المهم أين الهيئة العامة للطيران المدني من تعريف العامة بهذه الحقوق، أو الإجراء الواجب اتباعه لاستخراج هذه الحقوق.
والمثال الثاني في هذا الصدد، هو هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات، وهي الهيئة الحديثة نسبيا، ويفترض أن الإدارة الإعلامية فيها لم تنشأ على قالب تقليدي مثل بعض الوزارات الحكومية. ومما لاشك فيه فإن تقنية المعلومات والاتصالات تعتبر من المجالات الحديثة والمتجددة بشكل مستمر، مما يستوجب مواكبتها بتوعية مستمرة ودائمة، ويحتاج من الجهد أكثر مما قامت به الهيئة، ولا أنكر عليها جهدها المبذول ولكنه لا يرتقي إلى المأمول، فالمواد التوعوية يجب أن تصل للمستهلك لا أن يُبحث عنها في الموقع الإلكتروني، ويجب أن يكون لها دور أعظم في إجبار شركات الاتصالات في توزيع هذه المواد التوعوية خاصة التي تمكن فيها المستهلك من معرفة حقوقه وكيفية حماية نفسه، فالكثير منهم لا يعرف كيف يحمي نفسه من الاستغلال المستخدم فيه التقنية، والكثير من المراهقين لا يعون مدى المسؤولية القانونية في ارتكاب الجريمة المعلوماتية وما عاقبة تصرفاتهم، وقد صدرت القوانين الصارمة من الدولة التي تجرم هذه التصرفات من انتحال الشخصية والتشهير، والابتزاز، وتسريب وتداول المستندات السرية للدولة، واختراق المواقع. ولدي اليقين بأن كثير من مستخدمي الإنترنت لا يعرفون أنه بالإمكان إحضارهم ومعرفة شخصيتهم الحقيقية ومكانهم وذلك من خلال عدد من الوسائل التقنية، ولو عرفوا بهذه الحقيقة لما أقدموا على هذا التصرف.
واختم مقالي هذا، بأن على الجهات الحكومية الحرص على القيام بدورها الإعلامي وذلك بتوعية وتثقيف شرائح المجتمع كافة من أجل تعريفهم بحقوقهم وتنبيههم بالتزاماتهم، وبذلك فإنه سيتم إنتاج مجتمع مثقف يعرف ما له وما عليه، وسينعكس ذلك إيجابا على الخدمات المقدمة من الشركات بمختلف مجالاتها.