توليد الطاقة من خلال عملية التمثيل الضوئي الاصطناعي

إذا كان المصدر الأذكى للطاقة هو الأوفر والأرخص والأنظف، فلا شك أن النباتات ستكون أذكى بكثير من البشر. فعلى مدى مليارات السنين قدمت النباتات ما يعتقد أنه أكفأ سبل الإمداد للطاقة في العالم، ألا وهو: عملية التمثيل الضوئي التي تعني تحويل ضوء الشمس وثاني أكسيد الكربون والماء إلى وقود قابل للاستخدام، مع خروج الأكسجين المفيد كناتج لهذه العملية.
ويعود مفهوم التمثيل الضوئي الاصطناعي إلى عام 1912، ولكن العمل على تحقيق ذلك لم يبدأ حتى عام 1972 عندما أوضح باحثون يابانيون ما يحتاج إليه جهاز لامتصاص ضوء الشمس واستخدامها في تحليل الماء إلى أكسجين ووقود هيدروجين، وكان التقدم في هذا المسار بطيئا. وفي عام 1998 قدم “تيرنر” نظاما كاملا أظهر تقدما كبيرا، حيث خزن 12 في المائة من الطاقة الشمسية الواردة كوقود، مقارنة بنسبة 1 في المائة من الطاقة المخزنة ككتلة حيوية في الأوراق الحقيقية. ولكن تكلفة هذا النظام التي تؤهله ليكون قادرا على المنافسة تبلغ أكثر من 25 ضعفا، كما أن أداءه انخفض بعد 20 ساعة من التعرض لأشعة الشمس.
ويستخدم التمثيل الضوئي الاصطناعي فوتونات أشعة الشمس لتحليل جزيئات الماء إلى أكسجين وهيدروجين يمكن استخدامها لإنتاج وقود. فكل جزيئين من الماء ينتجان جزيئا واحدا أكسجين (O2)، فضلا عن أربعة أزواج من البروتونات (+H) والإلكترونات (e-). ثم تنتقل البروتونات والإلكترونات عبر غشاء، حيث تقوم عملية التمثيل الضوئي بإعادة توحيدهم ليتكون الهيدروجين باستخدام محفز إضافة إلى أشعة الشمس.
وتبدو عملية التمثيل الضوئي عملية يسيرة: فأوراق وأزهار النباتات التي تبطن ممرات معهد كاليفورنيا للتقنية (كالتك) تقبع تحت ضوء الشمس، وفي هدوء تستخدم الطاقة الشمسية لتخزين السكريات، وتستطيل أوراقها، وتتعمق جذورها وتستمر في العمليات الخلوية.
وفي الوقت نفسه تجد داخل مختبر “يورجنسن” في معهد كاليفورنيا للتقنية أكثر من 80 باحثا يبذلون قصارى الجهد للقيام بعمل ورقة النبات باستخدام السيليكون والنيكل والحديد وأي عدد من المواد الأخرى التي من شأنها أن توجد أكثر داخل الهواتف الخليوية وليس الخلايا النباتية. والمختبرات الجديدة البراقة في المعهد هي مقر المركز المشترك لعملية التمثيل الضوئي الاصطناعي (JCAP)، وهو برنامج أبحاث يعمل به 190 فردا، وتموله وزارة الطاقة الأمريكية (DOE) بقيمة 116 مليون دولار أمريكي على مدى خمس سنوات. وهدف المركز هو استخدام أشعة الشمس لإنتاج الهيدروجين وأنواع الوقود الأخرى بشكل أكثر كفاءة بكثير من طاقة الكتلة الحيوية التي أنتجتها أوراق النباتات في أي وقت مضى.
ويسعى الباحثون سعيا حثيثا وراء هذا الهدف بشكل ملح. ولأن قرابة 13 في المائة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في جميع أنحاء العالم تأتي من وسائل النقل، فإن التخلص التدريجي من الوقود الملوث هو هدف بيئي رئيس. ويتمثل أحد الحلول في استبدال السيارات والشاحنات الخفيفة بالسيارات الكهربائية التي يتم شحنها بالخلايا الشمسية أو طاقة الرياح - ولكن هذا الحل لا يمكنه معالجة المشكلة برمتها. ويقول ناثان لويس - المتخصص في الكيمياء غير العضوية في معهد كاليفورنيا للتقنية ومدير المركز المشترك لعملية التمثيل الضوئي الاصطناعي (JCAP) - أن نحو 40 في المائة من وسائل النقل العالمي الحالي لا يمكن تحويلها للعمل بالكهرباء. فعلى سبيل المثال ما يعوق التوصل إلى تقدم كبير في هذا الإطار، أنه لن يكون هناك أبدا طائرة تعمل بوقود هجين: لأنه لا توجد طائرة تستطيع حمل البطاريات الكافية للتحول إلى العمل بالكهرباء. فالوقود السائل لا يقهر عندما يتعلق الأمر بالملاءمة والتخزين في مساحات محدودة.
وهذا هو السبب الذي يدفع وكالات التمويل في جميع أنحاء العالم - وعلى الأقل عدد قليل من الشركات الخاصة – إلى تخصيص موارد غير مسبوقة لإنتاج الوقود باستخدام الطاقة الشمسية، التي ليست فقط خالية من الكربون بل لا تنضب أبدا. وما يميز المركز المشترك لعملية التمثيل الضوئي الاصطناعي (JCAP) ليس فقط حجمه، ولكن أيضا طموحه. وهو أحد خمسة محاور لابتكار الطاقة أنشأتها وزارة الطاقة في بداية عام 2010 للتركيز على مشكلات محددة باستخدام البحوث الأساسية والبحوث التطبيقية والهندسة. وقد وعد المركز المشترك لعملية التمثيل الضوئي الاصطناعي (JCAP) بتقديم نموذج عملي لورقة نبات صناعية مع نفاد المنحة الأولى التي حصل عليها في عام 2015.
وعلى الرغم من أن المركز المشترك لعملية التمثيل الضوئي الاصطناعي (JCAP) قد خطى بعض الخطوات المهمة في هذا الاتجاه، فإنه لا يزال هناك طريق طويل للوفاء بهذا الوعد، وقد صرح جون تيرنر المتخصص في الكيمياء الكهربائية في المختبر الوطني للطاقة المتجددة في جولدن في ولاية كولورادو في الولايات المتحدة بأن “هذه المشكلة صعبة جدا حقا، وتشكل تحديا كبيرا”، وأضاف “أن المردود سيكون هائلا، ولكن الأمر ليس بالسهولة التي تخيلها الجميع عندما بدأنا العمل في هذا المجال منذ 40 عاما”.
ومع ذلك، فقد أعطت موجة التمويل والاهتمام عديدا من الباحثين سببا للأمل في تحقيق النجاح على المدى الطويل. وكما يقول مايكل وازيلويسكي الكيميائي في جامعة نورث وسترن في إيفانستون في ولاية إيلينوي “إذا استطعنا الحفاظ على هذا القدر من الجهد على مدى السنوات العشر المقبلة، فمن المتصور الوصول إلى حل عملي”.
وتتمثل مهمة المركز المشترك لعملية التمثيل الضوئي الاصطناعي (JCAP) في إنشاء نظام أرخص بكثير من أنظمة تحليل المياه بالكهرباء الناتجة من لوحة شمسية. وفي قلب تصميم ورقة النباتات الاصطناعية في المركز المشترك يوجد قطبان مغموران في محلول مائي. وعادة يتم تصنيع كل قطب من مادة شبه موصلة تختار لالتقاط الطاقة الضوئية من جزء معين من الطيف الشمسي، وتكون مغلفة بحافز من شأنه أن يساعد على توليد الهيدروجين أو الأكسجين بسرعة جيدة (راجع «تحليل المياه»). ومثل عديد من أجهزة التمثيل الضوئي الاصطناعي الأخرى، ينقسم نظام المركز المشترك لعملية التمثيل الضوئي الاصطناعي (JCAP) بواسطة غشاء للفصل بين الغازات الناتجة وتقليل خطر حدوث تفاعلات تفجيرية.
وبمجرد تحليل المياه يتم حصاد الهيدروجين. ويمكن استخدامه كوقود في حد ذاته، ربما في السيارات التي تعمل بالهيدروجين مثل تلك التي تشق بالفعل طريقها إلى صالات العرض في كاليفورنيا، أو يتم إدخاله في تفاعل مع أول أكسيد الكربون لإنتاج الوقود الهيدروكربوني السائل.
ويشكل حث أي عنصر من عناصر ورقة النبات الاصطناعية على العمل بشكل جيد تحديا في ذاته. أما جمع كل العناصر في نظام كامل فهو أمر أصعب. ويشبه الأمر بالضبط عملية بناء طائرة. فليس الأمر مجرد الحصول على محرك، بل يجب أن يكون لديك تصميم، إضافة إلى الأجنحة وجسم الطائرة والمحرك وإلكترونيات الطيران، وفي النهاية يجب على الطائرة أن تطير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي