اللحمة الوطنية ألجمت الفتنة

يجب فهم ما حدث من عمل إرهابي في القديح، القرية الوادعة في محافظة القطيف في سياق الأحداث التي تمر بها المنطقة، آخذين بعين الاعتبار توقيته ومكان حدوثه. ولمعرفة من وراء هذا الاعتداء الغاشم على الوطن يلزم الإجابة على تساؤل مهم، من المستفيد من إثارة الفتنة ومحاولة شق الصف واللحمة الوطنية؟ لا شك أن إيران وأتباعها في المنطقة هم من يقف وراء الاعتداء الغاشم. لقد أصبح واضحا أن "داعش" وما شاكلها من حركات ومنظمات إرهابية تعمل برعاية وتدبير وتمويل إيراني لزعزعة أمن السعودية، فإيران راعية الإرهاب الأولى في العالم، وحيثما يكون هناك عمل إرهابي ففتش عنها. هذه ليست تهمة بل حقيقة ينطق بها تاريخها الدموي ومؤامراتها المتتابعة التي أضعفت الأمة ونالت من كرامتها. وكيف لا وهي وراء تفجيرات الحرم لم تراع حرمة المكان ولا الزمان، ولا بمؤمن إلا ولا ذمة. كيف لإيران الحديث عن الدفاع عن مقدسات الأمة وهي تخطط لتفجيرها وأن تعيث فيها فسادا؟ كيف لها ادعاء حماية مصلحة المسلمين وهي تقتلهم على الهوية وتوقد نار الفتنة في كل مكان من العالم الإسلامي؟ كيف لها أن تنعت الولايات المتحدة بالشيطان الأكبر وهي تعقد الصفقات معها؟ لكن الأهم كيف للبعض أن يصدق كذب إيران ودجلها وكأنه مغيب لا يسمع ولا يرى ما يجري وما يحدث من حوله. لقد قامت إيران وبرياء ممزوج بالكراهية والادعاءات الكاذبة بصنع تصورات من نسج الخيال في مخيلة البعض ليصدق كذبتهم الكبرى. هذه الكراهية أفقدت الصفويين صوابهم وأعمت بصائرهم وراحوا ينشرون الشر في كل مكان بدعوى تصدير الثورة وتحرير الشعوب من الطغيان على حد زعمها وهي التي ترتكب الجرائم بحق شعبها وتنصب المشانق في الميادين العامة لكل المعارضين وتسلب مواطنيها أبسط حقوقهم. إيران الإرهابية لم تتوان في نشر الفتنة حتى لو استدعى ذلك القيام بأعمال إرهابية في المقدسات الشيعية في العراق، مثل تفجير مراقد الأئمة، فأصابع الاتهام تشير إليها، وهناك الكثير من التصريحات لبعض القيادات الشيعية التي تؤكد تورط إيران فيما جرى في كربلاء والنجف غيرهما. والحديث عن "داعش" وتحركاتها داخل المناطق السنية في العراق دون الشيعية وعدم مهاجمة إيران دليل واضح على تمويل إيران لهذه الحركة الإرهابية. وحتى لا يظن أن ذلك من قبيل المبالغة، فالكل يتذكر قضية "إيران جت" التي عقدت فيها الولايات المتحدة صفقة أسلحة مع إيران الخمينية واستعملت أموال الصفقة لتمويل حركة "الكونترا" المناوئة للنظام الشيوعي في نيكاراغوا. وبينما كان هناك جسر جوي بين تل أبيب وطهران لتزويدها بالسلاح الإسرائيلي كان الإيرانيون يتظاهرون في مكة المكرمة ويصيحون بأعلى صوت الموت لأمريكا وأصدقائها! هذا التناقض في المواقف الإيرانية وسلوكياتها الملتوية ونزعتها للإرهاب وبث الفتنة يعزز من ارتباط إيران بالعمل الإجرامي في قرية القديح الوادعة.
لقد أسقطت "عاصفة الحزم" أقنعتهم وبدوا على حقيقتهم حاقدين كذابين مخربين وأخرجتهم من صياصيهم ولم تعد شعاراتهم الفضفاضة تنطلي على الجماهير الواعية من أبناء السعودية الشرفاء الذين عرفوا أن بلادهم تتسع للجميع وأن الدولة تقف على مسافة واحدة من جميع مكونات المجتمع. وهذه حقيقة لا ينكرها إلا جاحد. فهناك أغنياء وفقراء ومتعلمون وغير متعلمين في جميع فئات المجتمع دون تمييز. والخدمات الحكومية تقدم بالتساوي حتى وإن بدا هناك قصور فالكل يحسه كأمر وارد في العمل الإنساني دون الكيل بمكيالين. وهذا دليل للعدل والمساواة بين أبناء الوطن، الذي هو نتاج لتطبيق الشريعة الغراء والحكم بما أنزل الله دون محاباة أو مجاملة لأحد كائنا من كان. وعندما يكون أبناء الوطن متمسكين بحبل الله إخوانا وببيعة شرعية تكون اللحمة أقوى وأعتى من الأحداث العابرة أو حتى التحديات الصعبة. هذا التعايش السلمي والازدهار الاقتصادي والرفاهية الاجتماعية يغيظ الأعداء ولا يطيقونه فيعمدون إلى محاولة تقويضه بشتى الطرق والأساليب. إن التماسك الشعبي والوقوف صفا واحدا خلف القيادة يعزز قوتنا ويفشل مخططاتهم الإرهابية. القيادة الصالحة التي تسعى في الخير ليس في داخل الوطن وحسب ولكن في البلاد الإسلامية وأصقاع المعمورة. وعلى أنه من الظلم عقد مقارنة بين مساعي السعودية تجاه مواطنيها وتحقيق السلم العالمي وما تفعله إيران من شر على البشرية كزعيمة للإرهاب العالمي، إلا أن هذه المقارنة ضرورية في هذا التوقيت بالذات ليتضح لمن لديه شك فيما تقدمه السعودية لشعبها من أمن وأمان وحفاظ على أموال الناس وأعراضهم وحرية ممارسة الشعائر الدينية دون الإضرار بالآخرين. لقد قدمت السعودية نموذجا متميزا في إدارة الاختلاف والتعايش السلمي والتنمية الاقتصادية والرفاهية الاجتماعية. هناك الكثير من البلدان التي هي أكثر ثروة من السعودية وأولها إيران فماذا قدمت لمواطنيها؟ ولذا يعتقد البعض خطأ أن ما تتمتع به السعودية من رخاء هو بسبب العوائد النفطية عنصر التميز في النظام السعودي أن القائمين على الأمر فيه هم من نبت أرضه الطيبة من الناس وللناس. فالعلاقة بين الشعب السعودي وقيادته مبنية على المحبة والتآخي في الله ببيعة شرعية مقدسة ليس فقط رابطا قانونيا يتغير بتغير الأحداث. وما حدث بعد التفجير الآثم لمسجد علي بن أبي طالب في القديح من لحمة وتعاضد بين المواطنين وتحرك الجهات الرسمية للتقليل من هول المصيبة وطمأنة الأهالي والحرص على معرفة مرتكبي الجريمة يدل دلالة واضحة على متانة العلاقة بين المواطنين وقيادتهم. الجميع في السعودية يعيش في كنف نظام يحقق السلام والأمان وأن أي تعكير لصفو الاجتماع هو تدخل خارجي يحاصر بوعي وولاء وحب السعوديين باختلاف أطيافهم لتراب الوطن المقدس. ستظل السعودية البيت الكبير للسعوديين ولن نرضى أن تمس بسوء لأنها هويتنا وكينونتنا نعيش ونموت من أجلها. تعازينا القلبية لكل السعوديين وبالأخص أهالي الشهداء تغمدهم الله بواسع رحمته.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي