حادثة مسجد القديح بين الدين والسياسة
الحادث الإرهابي الأخير الذي وقع في مسجد علي -رضي الله عنه- في بلدة القديح في القطيف وتبني تنظيم داعش الخارجي العملية يعطي دلائل واضحة على أن دافع هذا العمل الإجرامي دافع سياسي بغطاء طائفي، يسعى تنظيم داعش من خلال هذه العملية البشعة إلى إحداث فتنة طائفية بين أبناء المجتمع السعودي. كما يأتي هذا الحادث الإجرامي أيضا امتدادا لسعي تنظيم داعش الإرهابي في إحداث خلل داخل المجتمع السعودي بعد أن فشل في تحقيق مبتغاه من الحادثة السابقة التي تبناها أيضا في قرية الدالوة التي وقعت قبل ثمانية أشهر تقريبا وتسببت في مقتل ثمانية اشخاص. فحفظ الضرورات الخمس التي منها حفظ النفس من أهم ما يدعو له الدين الإسلامي، لكن هذا التنظيم الخارجي استغل جهل صغار السن في فهم النصوص الشرعية، كما استغل حماستهم غير المنضبطة في تحقيق أهدافه البعيدة كل البعد عن الإسلام، بل تستغل أعماله المتطرفة للنيل من الإسلام وأهله.
ولعل الوحدة الوطنية التي اختارها الشعب السعودي وتمسك بها أقضت مضاجع أعداء هذه البلاد المباركة من تنظيمات متطرفة كتنظيم داعش وغيره أو من قبل دول تزرع الطائفية كإيران. فالمملكة العربية السعودية نجحت بامتياز في تجاوز ما كان يطلق عليه "الربيع العربي" كما تجاوزت بتفوق الأزمة المالية التي عصفت بعديد من دول العالم، والأهم من هذا كله نجاح قادة هذه البلاد في تحقيق مبدأ المساوة بين أبناء هذه البلاد في الحقوق والوجبات. فمثلا قبل أقل من شهرين صدر قرار ملكي بإيقاف الأمير ممدوح بن عبد الرحمن بن سعود، لتلفظه بعبارات عنصرية، كما صدر أمر من ولي ولي العهد ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بسرعة التحقيق مع عسكري صدرت منه عبارات نابية. فالكل يدرك أن قادة هذه البلاد يسعون إلى تعزيز مفهوم المواطنة بين كافة شرائح المجتمع، والضرب بيد من حديد على كل من يحاول المساس بها كائنا من كان. فالمواطنة حق مكفول للجميع شيعا وسنة، فجميع أبناء هذه البلاد على اختلاف توجهاتهم ينعمون بالمساوة في الحقوق والوجبات. لذا فإن المحاولة الأخيرة لتنظيم داعش المتطرف هي محاولة يائسة من قبل هذا التنظيم المتطرف في تفكيك النسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية لهذه البلاد. فالمملكة العربية السعودية هي بلد الحرمين الشريفين، فتقويض أواصر التكاتف بين أبنائها هو من أهم أهداف الجماعات المتطرفة كداعش وغيرها. كما أن المتابع للأحداث يدرك أن تنظيم داعش لا يسعى فقط إلى إثارة القلاقل داخل المجتمع السعودي. فالورقة الطائفية هي مجرد غطاء لتحقيق أهدافه الدنيئة بدليل استهداف تنظم داعش المتطرف رجال الأمن، ولعل الشهيد -بإذن الله- الجندي ماجد الغامدي كان آخر من طالته يد الغدر.
لا شك في أن هذه العملية الإجرامية يقصد بها السنة قبل الشيعة، فالطائفية إذا أظلت بظلالها اكتوى بلهيب نارها جميع أطياف المجتمع. اللعب بنار الطائفية قد لا يدرك خطره صغار السن ومحدودو التفكير، ما جعل هذه الفئة من أهم الفئات المستهدفة من قبل "داعش" وغيرها من الجماعات المتطرفة. لذا فإن تنظيم داعش المتطرف يعتمد بشكل كبير على الإثارة، التي عادة تستهوي صغار السن. لذا نجد حرص هذا التنظيم على تجنيد صغار السن وإذكاء نار الطائفية التي لا يدرك هؤلاء السفهاء أنها النار التي ستحرقهم قبل غيرهم.
على الرغم من بشاعة هذه الجريمة لكنها زادت من تكاتف أبناء هذه البلاد. فالموطن أصبح يعي أهمية دوره في الحفاظ على أمن هذه البلاد، لأنه أصبح يدرك أنه شريك في تحقيق الوحدة الوطنية والمحافظة على أمن هذه البلاد.
على الرغم من ارتفاع وعي الموطن بخطر هذه الجماعات المتطرفة كتنظيم داعش وغيره لكني أعتقد أننا بحاجة إلى وضع استراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب، تسهم هذه الاستراتيجية في حماية المجتمع خصوصا صغار السن من خطر الانخراط مع هذه التنظيمات الإرهابية. هذه الاستراتيجية ينبغي أن يشترك في وضعها عدة جهات حكومية كوزارة الداخلية ووزارة الشؤون الإسلامية ووزارة التعليم ووزارة الإعلام، كما تشارك فيها بقية مؤسسات الدولة المختلفة. هذه الاستراتيجية يجب ألا تكون تنظيرا فقط إنما خطة وطنية شاملة وعملية. فمثلا لا يكفي التطرق لنبذ الإرهاب عبر وسائل الإعلام المختلفة، بل لا بد من تحليل أسبابه ومنطلقاته ومن ثم كيفية مقاومته والقضاء عليه. كما يجب من خلال هذه الاستراتيجية وضع آليات عملية تسهم في دعم الأسر في الحفاظ على أبنائها من خطر الانضمام لهذه الجماعات المتطرفة، وتوعية أولياء الأمور بكيفية التعامل مع أبنائهم وحمايتهم من الأفكار الإرهابية. فالفكر الإرهابي أشد خطرا من خطر المخدرات، لذا يجب أن توضع له آلية واضحة لكيفية التعامل معه وتجفيف ينابيعه.