القديح في ضمير الوطن

المادة لا تتحرك في الفراغ أبداً دون دافع في بيئة الحركة، ولا تستطيع البناء فوق بركة مياه، ولا تستطيع صنع أي مادة من العدم، كل هذه قوانين طبيعية معروفة لدى الجميع. قبل سبعة أشهر استفاق الوطن على جريمة الدالوة البشعة التي استهدف فيها إرهابيو "داعش" حسينية في قرية الدالوة بالأحساء، وراح ضحيتها سبعة شهداء كانوا يحتفلون بشعائر عاشوراء كما يفعلون كل سنة. أخيرا تكررت الحادثة نفسها في القطيف ولكن بشكل أكثر دموية، بتفجير أحد إرهابيي "داعش" نفسه في مسجد الإمام علي ــ عليه السلام ــ بالقديح، مخلفاً وراءه 21 شهيداً قضوا وهم راكعون بين يدي ربهم. وقبل هاتين الحادثتين وما بينهما حدثت أحداث إرهابية كثيرة استهدفت مجمعات سكنية ومرافق عسكرية من قبل تنظيم القاعدة، وذهب ضحيتها المئات، من سعوديين وغير سعوديين، مسلمين وغير مسلمين.
اليوم تطورت القاعدة إلى إنتاج نموذج أكثر دموية وأكثر إرهاباً، فـ "داعش" خرجت من رحم القاعدة، لكنها تفوقت في استباحتها لكل الحرمات الدينية والأخلاقية. في السابق كانت القاعدة تستهدف الدولة والمواطن على حد سواء، فلا تفرق بين مدني أو عسكري، أو مسلم أو غير مسلم، تضرب كل من يقف في طريقها، وما حادثتا مجمع المحيا في الرياض أو مجمع الواحة بالخبر ببعيدتين عنا. في السابق كنا نحارب القاعدة عبر لجان المناصحة والحركة الأمنية على الأرض من قبل مختلف القطاعات الأمنية في المملكة، اليوم "داعش" تضربنا في أنفسنا، في وحدتنا، تضرب مشاعر التعايش لتحولها لكره، فـ "داعش" لا تتوانى أن تقتل الشيعي والسني بالطريقة نفسها والأسلوب نفسه.
التطور الخطير الذي أضافته "داعش" لتاريخ الإرهاب الذي عانت منه المملكة الأمرين هو اللعب على الاختلافات المذهبية، فالمجتمع السعودي فيه الشيعي والسني والصوفي والإسماعيلي والسلفي، وعاش الجميع في مأمن مسالمين. جريمتا الدالوة والقديح هما بادرة استهداف هذا التنوع المذهبي وبث الفتنة وشق الصف الوطني، وها نحن نرى أنهار الدم التي تسيل من حولنا في العراق وسورية نتيجة الفتنة المذهبية العفنة. اليوم يجب الالتفات لكل دعوة كراهية أو تكفير أو إقصاء لأي مكون من مكونات المملكة. إن هدف أي عدو خارجي هو زعزعة وحدة النسيج الاجتماعي والسلم الأهلي للمملكة، نعم سنستطيع ردع كل اعتداء خارجي بقوة السلاح، لكن خط الدفاع الأول الذي يقف حائلا أمام كل خطر خارجي هو الحفاظ على وحدتنا الوطنية. إن أكثر ما يسعد أعداءنا هو التحريض والتكفير الذي يبثه بعض مدعي العلم في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، فعندما يخرج التكفير أو التحريض ممن يدعي أنه داعية أو دكتور في إحدى الجامعات أو عالم دين، فاعلموا أنه عميل لأعداء هذا الوطن، فكل من يساعد أعداءنا في الخارج من دول ومنظمات هو عميل، والواجب علينا كمواطنين نبذه، والواجب على الأجهزة الأمنية الضرب على يده.
بعد حادثة الدالوة تنادى بعض أعضاء مجلس الشورى وآخرون لطرح قانون يحافظ على الوحدة الوطنية، يدعو إلى تجريم أي إثارة طائفية أو دينية أو مناطقية أو قبلية داخل المملكة، اليوم أصبح وجود هذا القانون مطلباً ملحاً للحفاظ على أمن واستقرار المملكة، وسيكون بإذن الله الجناح الآخر الذي تستند إليه القطاعات الأمنية والقضائية لحفظ بيضة هذا الوطن وتماسك جبهته الداخلية.
إن ما يجمعنا اليوم كشعب هو كلمات الملك سلمان حفظه الله تعليقاً على حادثة القديح في برقيته لولي عهده الأمير محمد بن نايف "إن كل مشارك أو مخطط أو داعم أو متعاون أو متعاطف مع جريمة تفجير مسجد في قرية القديح سيكون عرضة للمحاسبة والمحاكمة وسينال عقابه الذي يستحقه". حفظ الله بلادنا وأهلنا من كل سوء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي