مذكرات الشيخ الجميل
للمذكرات الشخصية والسيرة الذاتية، وهما نوعان متقاربان من أنواع الكتابة التاريخية، أهمية من جوانب متعددة، فهي تحكي لنا سيرة صاحبها وبعض معاصريه، كما نجد فيها معلومات تاريخية وسياسية لا نجدها أحيانا في أي مصدر آخر، إضافة إلى أننا نفهم من خلالها طبيعة الحياة الاجتماعية في الفترة التي عاشها كاتبها.
ولا أدل على ذلك من كتاب «الاعتبار» للأمير الفارس أسامة بن منقذ، الذي يعتبر من أقدم المذكرات في التراث العربي، وفي «الاعتبار» معلومات مهمة لم نعثر عليها في مصدر آخر. وفي القرن الأخير أصبحت كتابة المذكرات والسيرة الذاتية فنا مستقلا له أصوله، وظهرت مجموعة كبيرة من كتب المذكرات التي لا يستغني عنها الباحث، وكثير منها معروف لأغلب القراء.
وقد سعدت كثيرا حين تشرفت بزيارة الشيخ جميل الحجيلان، الدبلوماسي المخضرم، وأول وزير للإعلام في السعودية، وأخبرني أنه عاكف على كتابة مذكراته، وأنه في المرحلة النهائية. سعدت لعلمي أن لدى الشيخ الحجيلان كنزا من المعلومات والمرويات لحوادث عاشها وعاصرها وكان شاهدا عليها، أو لحوادث أخرى كان طرفا فيها، أو لحوادث كان هو صانعها وصاحب القرار فيها.
لقد عاش الشيخ الجميل، متعه الله بالصحة والعافية وطول العمر، تسعة عقود يختصرها لنا كلمح البرق الدكتور عبد الرحمن الشبيلي بقوله: "ولد الشيخ الحجيلان سنة 1347هـ، وحصل على البكالوريوس في الحقوق من جامعة القاهرة، ثم التحق بالعمل الدبلوماسي متدرجا فيه، حتى أصبح مستشارا في السفارة السعودية في باكستان، في وقت كان الشيخ محمد الحمد الشبيلي سفيرا فيها، ثم التحق الفريق علي حسن الشاعر ملحقا عسكريا لديها فيما بعد, لاحظ الشيخ الشبيلي سعة الأفق والثقافة لدى الشاب الحجيلان، وقد لفت أنظار المسؤولين إليه، فعين في رجب 1380هـ مديرا عاما للإذاعة والصحافة والنشر (بدرجة وكيل وزارة)، ثم عاد إلى العمل الدبلوماسي بعد سبعة أشهر واختير أول سفير سعودي لدى الكويت بعد نيلها الاستقلال في مثل هذا الشهر، قبل 38 عاما, وفي ذي القعدة 1382هـ عين أول وزير للإعلام، وفي ربيع الأول 1390هـ عين وزيرا للصحة ووزيرا للإعلام بالنيابة مدة ستة أشهر إلى أن عين الشيخ إبراهيم العنقري وزيرا للإعلام خلفا له في رمضان (1390هـ)، وتفرغ الحجيلان للصحة, وبعد أربع سنوات عين سفيرا للمملكة في ألمانيا، ثم سفيرا في فرنسا، مدة تقارب 19 عاما، كان خلالها فارسا من فرسان الدبلوماسية والإعلام السعودي، وقد تم اختياره منذ عام 1415هـ أمينا عاما لمجلس التعاون الخليجي، ثم جدد له لدورة ثانية، وهو يجيد الإنجليزية والفرنسية، وضليع بقواعد اللغة العربية".
هذا العرض السريع الذي قدمه الدكتور الشبيلي، هو ما نأمل أن نرى تفصيلا كاملا له في مذكرات الشيخ الحجيلان، وقد سمعت منه خلال لقائي به معلومات مهمة عن معاناته في وزارة الإعلام مع بداية التلفزيون، والجهود التي بذلها مع زملاء العمل في الإعلام كي يتجاوزوا العقبات، ويقدموا ما يخدم وطنهم، ويسعد الناس ويفيدهم.
كلي أمل أن يتغلب الحس الصحافي الإعلامي لدى الشيخ الحجيلان على الحس الدبلوماسي، خلال كتابته المذكرات، حتى يقدم لنا ما يشفي غليلنا، فكلنا شوق أن يروي لنا ما صنعه وشاهده وعاصره.