إصلاحات للمالية العامة وننتظر المزيد
صدر أمس بيان الميزانية حاويا أرقام ميزانية العام الماضي 2016 وأرقام العام المقبل 2017. ويلاحظ تفاصيل أكثر بكثير ما اعتدنا في بيانات وزارة المالية في الأعوام الماضية، ويشير بيان الوزارة إلى عدة نقاط في تطوير المالية العامة. ومن المهم جدا الإشارة إلى أن الأرقام الواردة في بيان وزارة المالية أولية تحت التنقيح خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
لن أتحدث عن التطورات الاقتصادية محليا وعالميا التي تطرق إليها بيان الميزانية لضيق المقام.
أول ميزانية وفق الرؤية وبرنامج التحول
هذه أول ميزانية تعد وفق "رؤية 2030" وبرنامج التحول الوطني. وتبعا، اهتمت السياسة المالية العامة في المملكة بتقوية بنية المالية العامة، ورفع كفاءة الإنفاق الحكومي، بهدف محاولة الوصول إلى ميزانية متوازنة، أي خالية من العجز تقريبا، بحلول عام 2020. تحقيق هذا الهدف دون تأثير سلبي على نمو الاقتصاد ليس بالأمر السهل، بل هو صعب المنال.
نتائج هذا العام 2016
للتوضيح، أرقام بيان كل ميزانية للعام الموشك على الانصرام هي تقديرية شبه فعلية نهائية، أما الأرقام الفعلية النهائية فتعرف عادة بعد أسابيع من الآن.
يتوقع أن تبلغ إيرادات هذا العام 2016 الموشك على الانصرام قرابة 530 مليار ريال. وهو رقم قريب جدا من التقديرات وقت إعداد ميزانية هذا العام ـــ الفرق قرابة 15 مليار ريال. تشكل الإيرادات غير النفطية قرابة 200 مليار ريال، أي بنسبة تقارب 38 في المائة. وهذه نسبة عالية جدا. فقد تدور حول 25 في المائة عام 2015، وأقل من 15 في المائة خلال السنوات العشر السابقة لعام 2015. ارتفاع نسبة غير النفطية راجع إلى سببين، انخفاض إيرادات النفط وتزايد إيرادات أخرى تركزت في ثلاثة بنود، عوائد متحققة من مؤسسة النقد لم توضيح طبيعتها (زادت من 35 مليار ريال عام 2015 إلى 62 مليارا عام 2015)، ورسوم التبغ (من 60 مليونا إلى خمسة مليارات)، وعوائد أخرى لم توضح ماهيتها في بيان الميزانية (زادت من صفر العام الماضي إلى 15 مليارا هذا العام 2016).
يتوقع أن تبلغ المصروفات لهذا العام 825 مليار ريال. وهو رقم يقل عما صدرت به الميزانية في مثل هذا الوقت بنحو 150 مليار ريال. والسبب الرئيس في هذا الانخفاض خفض الصرف على المشاريع. لكن من المهم بيان أنه صرفت خلال الشهور الماضية قرابة 100 مليار ريال، سدادا لمستحقات أعوام سابقة. أي أن مجموع المصروفات الفعلية هذا العام تقل عن العام الماضي بـ 50 مليارا.
وعليه فقد بلغ العجز قرابة 300 مليار ريال. وكان العجز المحقق عام 2015 هو الأكبر في تاريخ المملكة، وقد بلغ قرابة 370 مليار ريال. وبلغ رصيد الدين العام قرابة 300 مليار ريال، منه قرابة 200 مليار محلية.
تقديرات 2017
ميزانية 2017 تعد أول ميزانية بعد إقرار رؤية 2030 في أبريل الماضي، وإقرار برنامج التحول الوطني بعد ذلك بستة أسابيع تقريبا. واحتوت الرؤية على أهداف استراتيجية مطلوب تحقيقها. أما "برنامج التحول الوطني 2020"، فخطة خمسية لتحقيق وتنفيذ "رؤية السعودية 2030". كيف؟ عبر مبادرات هدفها بناء القدرات والإمكانات والوسائل والمؤشرات اللازمة في أجهزة الدولة المختلفة بما يعمل على تحقيق أهداف "رؤية السعودية 2030"، ومجابهة تحدياتها. وتلك المبادرات لها تكلفة.
متوقع العام المقبل 2017 إيرادات 700 مليار تقريبا، منها قرابة 480 مليارا نفطية. أما المصروفات المتوقعة فقرابة 900 مليار. أي بزيادة نحو 8 في المائة عن مصروفات العام الحالي. وهي نسبة عالية في نظري. وأهم سبب في هذه الزيادة مبادرات برنامج التحول الوطني، فقد خصص له قرابة 40 مليارا، وكذلك برنامج الدعم للمستحقين، تبعا لرفع أسعار الطاقة.
استمر قطاعان في التهام الحصص الكبرى من مخصصات الميزانية، هي التعليم والعسكرية والأمنية. ولكل واحد من القطاعين قرابة 200 مليار ريال.
وميزانية 2017 هي ثاني ميزانية تصدر دون أسلوب الأبواب الأربعة المعروفة على مدى عقود. فقد ذكر بيان وزارة المالية قبل عام أن ميزانية 2016 أعدت وفقا لدليل إحصاءات مالية الحكومة GFSM2001 والمحدث في 2014، وهو نظام إحصائي تنظيمي تصنيفي من ثمانية أبواب للميزانية وليس أربعة. ويمثل خطوة كبيرة إلى الأمام في معايير إعداد وعرض إحصاءات المالية العامة، ويسهم في تحسين المحاسبة الحكومية وشفافية عمليات الحكومة، كما يقدم تغطية أشمل للأنشطة الاقتصادية والمالية للحكومة، وقدرة أعلى في تقييم سياسات المالية العامة، ومراقبة تطوراتها، كما أنه يعزز قياس الادخار والاستثمار والاستهلاك الحكومي بطريقة تفوق الطريقة القديمة. ويفترض أن تصدر جداول تماثل القوائم المالية للشركات.
والدليل من إعداد صندوق النقد الدولي قبل بضعة عشر عاما مستعينا بخبرات دول متطورة في إعداد ميزانياتها العامة.. وتبعا لذلك تنشأ وحدة المالية العامة، لتطوير سياسات وإجراءات إعداد الميزانية، وعمل سيناريو متوسط المدى لثلاث سنوات. إن طبيعة الأعمال المطلوبة من الوحدة عالية التقنية كبناء نموذج اقتصادي كلي للمملكة، وبناء توقعات اقتصادية كلية.
أشار بيان الميزانية إلى الاستمرار في خطوات إصلاحية، بهدف تخفيف الاعتماد على إيرادات النفط، ورفع كفاءة الإنفاق العام بصفة عامة عبر عدة إجراءات وتنظيمات وبرامج ذكرت باقتضاب في بيان وزارة المالية. ومنها برنامج الخصخصة وإصلاح وتطوير أداء الحكومة ومراجعة الدعم الحكومي ومستويات الرسوم والغرامات والضريبة المضافة. كما ذكر بيان الميزانية أنه تم تأسيس مكتب ترشيد الإنفاق الحكومي. وأنه انتهى من تحديث نظام المنافسات والمشتريات الحكومية. وهو نظام حوى نقاط ضعف كثيرة. كما ذكر البيان عمل تحسين في منهج وآليات إدارة أصول الدولة، وخاصة تحويله من النظام المحاسبي على الأساس النقدي إلى أساس الاستحقاق.
تعليق
تطوير أعمال تخطيط وتنفيذ الميزانية وسياسات وأداء المالية العامة وإسهامها في تحقيق "رؤية 2030" وتقليل الاعتماد على دخل النفط، مواجه بمشكلة نقص واضح في القدرات الوطنية المهنية. وهنا مقترح تأسيس معهد للمالية العامة، يسهم في تحسين قدرات موظفي المالية العامة.
تهدف الرؤية وبرنامج التحول إلى تحقيق توازن الميزانية خلال أربع سنوات. وهو هدف طموح جدا، صعب تحقيقه دون إحداث آثار اقتصادية سلبية جانبية.
تبعا للتطورات الأخيرة وخاصة مشروع التحول الوطني، يفترض تبعا في إدارة المالية العامة أنها عملت وتعمل على زيادة قدراتها المهنية في رسم وتطبيق سياسة مالية عامة تعمل على توزيع / تخصيص allocate الموارد المالية بصورة تتصف بأنها متوازنة وقابلة للرسوخ sustainable، وتسهم بفاعلية في تحقيق النمو الاقتصادي القابل للاستدامة بصورة أفضل من الماضي.
وفي الوقت نفسه، فانه يتوقع من الجهات المسؤولة عن الميزانية إعدادا ومراجعة أن تعمل على زيادة مهارات موظفيها في التطورات المالية والاقتصادية المحلية والدولية، وظروف ونمو الاقتصاد المحلي والاقتصادات الدولية. وينبغي أن تجرى السياسة المالية العامة بمزيد من التناغم مع السياسة النقدية. كما أن هناك حاجة إلى إصدار نظام للميزانية، وتقوية وتحسين آليات وخطوات مراجعتها وتدقيقها قبل وبعد الصرف. حيث يحكم عمليات الميزانية حاليا عدد قليل من المراسيم الملكية.
هذا وبالله التوفيق.