إنقاذ السعودة .. مسؤولية وزارة العمل
احتلت قضية السعودة خلال السنوات العشر الماضية أبرز النقاشات الاقتصادية وكانت واحدة من أهم مشاكل وهموم وزارة العمل والقطاع الخاص على حد سواء، وتم وضع برامج وحلول متعددة وفرض قوانين أخذت كثيرا من الجدل خلال السنوات الفائتة وما زالت. إن السعودة بفرضها كحل رئيس لمشكلة البطالة تصبح قضية خطيرة وحساسة لأن معالجة البطالة تعتبر مقياسا رئيسا لنجاح أي اقتصاد، ولذلك يتم نشر بيانات معدل البطالة بشكل شهري في الدول المتقدمة وعلى أثرها يقاس مدى نجاح هذه الحكومات في إنعاش الاقتصاد، لقد تم لدينا تشخيص مشكلة السعودة بعدة أسباب منها على سبيل المثال وليس الحصر، انخفاض تكلفة الأجنبي مقابل تكلفة السعودي، ممانعة بعض رجال الأعمال "وذلك لعدة أسباب"، عزوف السعوديين عن العمل بالقطاع الخاص، خصوصا في بعض المهن والقطاعات، ضعف إنتاجية (بعض) الموظفين السعوديين وعدم وجود التخصصات المناسبة مع القطاع الخاص وغيرها الكثير.
لكن هنالك وجها آخر للمشكلة ويعانيه أصحاب الأعمال والشركات مع (بعض) الموظفين السعوديين، ولقد مررت بهذه المشكلة شخصيا سواء كمدير للشركات أو أعمال خاصة، وهي عدم جدية الموظف وسرعة تخليه عن الوظيفة، ناهيك عن الإنتاجية وهو موضوع مقلق ومزعج إلى حد كبير "وليس من يده في الماء كمن يده في النار"، يجب عدم إلقاء اللوم كليا على القطاع الخاص "مع العلم أنه يتحمل جزءا منها" في مسألة السعودة، بل يجب النظر إلى المشكلة من جميع أوجهها، ومنها أن بعض باحثي العمل في القطاع الخاص شوهوا صورة البقية، وزيادة على ذلك، سببوا مشاكل لأصحاب العمل الذين يخسرون الوقت والمال في عملية البحث المتعبة والمتكررة عن سعوديين لملء هذه الوظائف.
إنني أعرف أصحاب أعمال لديهم الحس الوطني وحب مساعدة الشباب وتوظيفهم لكن واجهوا هذه العقبة وعانوا كثيرا مع عينة من شباب مع الأسف لا يملك الطموح اللازم ولا الرؤية المستقبلية بل كل ما يريده وظيفة يعاملها بالمرحلة المؤقتة حتى يحصل على وظيفة حكومية أقل بكثير من مرتبه في القطاع الخاص، ولذلك نجد أن كثيرا من الشباب يتوظف في شركة ثم يغادرها بعد ثلاثة أشهر أو في بعض الأحيان بعد أن يتسلم راتب أول شهر!
مع الأسف هذه العينة من الباحثين عن عمل شوهت إلى حد ما صورة البقية الجادة التي لديها رغبة في الالتزام والإنتاجية، وسببت المشاكل للشركات بعدما كانت مستقرة بوضع العامل الأجنبي، مع العلم أنه يتم تقديم رواتب عالية وليست منخفضة لهم ومع ذلك لا يستقر فيها الشاب، وفي نظري أن هناك أكثر من سبب لهذه المشكلة منها وجود خيار أكثر أمانا وظيفيا وهو القطاع الحكومي (وهذا عندما كانت الوظائف الحكومية تطرح بكثرة خلال السنوات العشر الماضية) وهو ما يدعو كثيرا من الشباب إلى وضع الوظيفة الحكومية الخيار رقم واحد رغم وجود فارق في الراتب بين الوظيفتين، السبب الثاني يتعلق بطبيعة وظائف القطاع الخاص التي تتطلب عملا وجهدا أكبر بكثير من (أغلب) الوظائف الحكومية وعدد ساعات أطول وهو ما يزيد إغراء الوظائف الحكومية، هذه الأسباب هي في الأغلب ما تدعو الشاب إلى التخلي وبسرعة عن وظيفته في القطاع الخاص عند توافر وظيفة حكومية.
نحن نعلم أن مع برنامج التحول الوطني و"رؤية المملكة 2030" لن تكون الحكومة عبر أجهزتها هي الموظف للشباب، بل هي مطلوب منها تخفيض عدد الوظائف بحلول عام 2020 بنسبة 20 في المائة، ومعنى ذلك أن الدولة لن تفتح باب الوظائف كما كان سابقا بل سيتوقف إلا للوظائف الحساسة والمهمة، وسيكون القطاع الخاص هو المصدر رقم واحد لتوفير الوظائف، لكن كي نساعد القطاع الخاص في مهمته وسعودة قطاعاته يجب الاهتمام بقضية معاناة الشركات وأصحاب الأعمال مع (بعض) السعوديين الذين قد يدمرون ويتسببون في أضرار لهذه الشركات عبر عدم انتظامهم.
وكأحد الحلول أقترح أن تقوم وزارة العمل بوضع نظام تقييم باحتساب (نقاط) لكل موظف في القطاع الخاص يتم فيه تقييم الموظف من قبل الشركة التي يعمل فيها، يأخذ في عين الاعتبار انضباطية الموظف وإنتاجيته وسلوكه مع زملائه وأمانته وغيرها من المعايير الرئيسة والمهمة، على أن يربط التقييم بنظام تشرف عليه وتضع لوائحه وتضمن عدالته وزارة العمل، ويتم رفع التقييم مع نهاية التعاقد مع الموظف، ويصبح كنظام معلومات عن كل الموظفين في القطاع الخاص، وللموظف في حال عدم رضاه عن أي تقييم (أو لوجود شبهة إجراءات كيدية من قبل مديريه السابقين) التظلم لدى هيئات تسوية الخلافات العمالية، في هذه الحالة سيكون بمقدور أي جهة ترغب في التوظيف أن تطلع على نظام المعلومات لدى وزارة العمل ومن خلاله سيسهل عليها اتخاذ القرار واختيار الموظف الجاد والمناسب، ويسهل التفريق بين الموظفين ذوي السجلات الممتازة وغيرهم في أحقية التوظيف عند المفاضلة بين المتقدمين من دون إخلال بحق أحد منهم، وتهدف في النهاية إلى زيادة الجدية لدى طالبي العمل والاهتمام بسجلاتهم عن طريق الإنتاجية والانضباط.
من جانب آخر، تجب مساواة القطاع العام مع القطاع الخاص في مسألة الأمان الوظيفي التي قتلت الإنتاجية والإبداع لدى كثير من الموظفين وحولتهم إلى رقم في البطالة المقننة. وفي الختام أكرر أن ما ذكرته من أسباب لا يغطي مشاكل السعودة، وما ذكرته من عينة من الباحثين عن عمل لا يعمم على الشباب الراغبين في العمل بل هنالك شباب وشابات كثيرون افتخرت بالعمل معهم وكانوا وجها مشرقا لمستقبل شبابنا وأملا في نهضة بلدنا، ولأجلهم كتبت هذه المقالة حتى لا يتم تشويههم من قبل القلة التي يجب أن تتم معالجتهم وتحفيزهم نحو العمل الجاد ونحو الإنتاجية والانضباط.