الترابط التكنولوجي .. تعزيز المخاطر والفرص

يمر العالم بمرحلة انتقالية حساسة في اعتماده على التكنولوجيا وتطبيقاتها في كل جوانب الحياة. فالتطورات التقنية باتت ترتبط بنواحي المعيشة كافة، بدءا من إنترنت الأشياء الذي عمل على وصل الأجهزة الكهربائية الذكية ببعضها بعضا وتحصيل كميات كبيرة من البيانات، التي تقوم تقنيات البيانات الضخمة بمعالجتها للوصول إلى فهم أعمق للأنماط، وكذلك الذكاء الاصطناعي الذي بات يعمل على أتمتة عديد من العمليات الروتينية، مثل السيارات ذاتية التحكم، وحتى البرمجيات الروبوتية التي توفر لنا البيانات وتعمل كوسيط بيننا وبين شبكة الإنترنت. هذا المستوى العالي من التواصل والترابط التكنولوجي يعمل على رفع كفاءة الإنتاج والموارد، ولكن في الوقت نفسه يزيد من حدة المخاطر التي يمكن أن نتعرض لها في حال تعطل هذه التقنيات. فبدلا من أن تكون حوادث الفشل التقني محدودة الأثر نظرا لاستقلاليتها، فإن الترابط المتزايد يعظم من أثر الفشل، رغم ندرة احتمالية وقوع الحادثة.
هذا الانكشاف الكبير على مخاطر لم يسبق لنا تجربتها سابقا، يجعل التنبؤ بها عملا صعبا وغير دقيق، لأنه لا يستند إلى حوادث يمكن تحليلها إحصائيا. ولذلك، يجب علينا أن نعتمد أسلوبا منهجيا في تحديد وتعريف مخاطر الانكشاف على هذه التقنيات. ففي عالم متسارع الخطى والأحداث، لا يمكننا البقاء معزولين عن استخدام تقنية جديدة ونكون من المستخدمين المتأخرين الذين يستفيدون من أخطاء أجيال التقنيات السابقة. بل إن رؤيتنا للسعودية هي أن تكون منتجا ومصدرا لهذه التقنيات، خصوصا الروبوتية منها، كما هو الحلم في مدينة نيوم.
منهجية التعامل مع مخاطر فشل واسع لتقنية ما، يجب أن تبنى على إعداد خطة طوارئ للاستعداد لأسوأ كارثة. ففي حال الكارثة يتوجب على خطة الطوارئ العمل على التواصل مع العملاء وتهيئة المناخ العام لتقبل تبعات الكارثة قبل تجهيزهم لمرحلة انتقالية تؤهلهم للتكيف مع الوضع الراهن، بينما يتم العمل على حل جذري طويل الأمد لمعالجة الكارثة وتبعاتها. مثل هذه الخطوات يتم اتباعها في عديد من المجالات، مثل كوارث التسرب الإشعاعي والكوارث الطبيعية، وهي عامل الضمان الوحيد للاستمرارية في حال اعتماد تقنية ما بشكل واسع.
وجود مختصين مؤهلين للتعامل مع كوارث من هذا الحجم يحتاج إلى عمل وتنسيق دولي عالي المستوى. يمكن الاستفادة من عديد من الأنظمة المتبعة لمواجهة المخاطر، مثل أنظمة الأيزو، ولكن تحديات التقنيات الجديدة تكمن في أحجام البيانات الهائلة التي يتطلب معالجتها بسرعة. كخطوة لتحقيق طموحنا بالريادة في مجال تقنية المعلومات، يمكن أن نعمل على ربط مختلف الجهات التنظيمية مع شركات التقنية الرائدة حول العالم، والخروج بميثاق لمواجهة المخاطر المحتملة للتقنيات الجديدة، مثل ما فعلنا بميثاق الاستثمار في تقنيات الروبوتات. مثل هذا الميثاق سيكفل لنا استقطاب الخبرات في جميع المجالات التقنية الجديدة، وبالتالي بناء قاعدة واسعة للعمل الإبداعي في التكنولوجيا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي