القروض الشخصية السعودية
نشرت "بلومبيرج" تقريرا حول نمو القروض الشخصية في السعودية. استشهد التقرير بأرقام عن القروض الاستهلاكية الشخصية، مصدرها النشرة الإحصائية الشهرية لمؤسسة النقد العربي السعودي. إلا أن استخدام "بلومبيرج" لأرقام النشرة لم يكن دقيقا ومهنيا. فقد اجتزأ التقرير الأرقام بما يتناسب مع الرسالة السلبية التي يستهدفها المحرر. فحوى التقرير تتمحور حول أن غلاء المعيشة والتضخم المصاحب لعملية إعادة هيكلة الاقتصاد السعودي وتخفيف اعتماده على النفط، دفع السعوديين إلى الاقتراض بشكل كبير للوفاء بمتطلبات المعيشة الأساسية. فاستخدمت "بلومبيرج" أرقام النمو في ثلاثة بنود هي: قروض السيارات وقروض الأثاث والسلع المعمرة وقروض التعليم التي وصل إجماليها في نهاية عام 2016 إلى نحو 15 مليار ريال، بينما وصل الإجمالي بنهاية الربع الأول لعام 2018 إلى 31 مليار ريال، أي بزيادة تفوق الضعف. قد تبدو المقارنة صحيحة لأول وهلة لغير المتخصص أو غير المطلع على نشرات مؤسسة النقد. ولكنها أغفلت الرقم الأهم، وهو إجمالي القروض الاستهلاكية بكامل بنودها التي وصلت بنهاية عام 2016 إلى نحو 318 مليارا، بينما انخفضت بنهاية الربع الأول من عام 2018 إلى 316 مليار ريالا، بمعدل يقل عن النصف في المائة. أي أن الفرد أو العائلة السعودية أصبحت تتحمل أعباء أقل للقروض. السبب في هذا الاختلاف يعود في وجهة نظري إلى توافر المعلومة. فقد باتت المصارف تعمل على جمع أكبر قدر من المعلومات عن القرض والمقترض والدوافع، بينما كانت في السابق تستسهل تصنيف القروض الاستهلاكية تحت بند أخرى، الذي يمثل نحو 80 في المائة من إجمالي القروض الشخصية. وبالتالي فإن استشهاد تقرير "بلومبيرج" في غير محله على الإطلاق، بل يكاد يكون متحيزا ضد السعودية لمجرد الفرقعة الإعلامية. إلى جانب التراجع في القروض الاستهلاكية الشخصية، فقد رافق هذا التوجه ارتفاعا كبيرا في القروض العقارية بنسبة وصلت إلى 11 في المائة على مدى عام. وهو ما يدعم توجه الـ"رؤية" وبرنامج تطوير القطاع المالي بتعزيز القروض المدعومة بأصول والمنتجة بدلا من الاستهلاكية منها. وعلى الرغم من تحفظي على الزيادة في القروض العقارية، بينما ما زالت أسعار العقارات مرتفعة عند مقارنتها بمتوسط دخل المواطن السعودي، إلا أن لهذا النمط فوائد مهمة وعامة للاقتصاد السعودي وأفراده كافة، بتعزيز كفاءة استخدام الائتمان الذي يعد المحرك الأهم بعد الإنفاق الحكومي لنمو القطاع الخاص. فعلى الرغم من ارتفاع تكلفة الإقراض بسبب ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية، ما زالت مستويات اقتراض القطاع الخاص ترتفع بوتيرة مستقرة، وإن كانت بطيئة بعض الشيء، ما يدعم خروج الاقتصاد السعودي من مرحلة الكساد رغم الإصلاحات الاقتصادية التي رفعت تكلفة المدخلات من عمالة ووقود. الاقتصاد السعودي يمر عبر عنق الزجاجة نحو انفراجة كبيرة، وحتى يتم هذا العبور بسلاسة من الضروري تسهيل منح الائتمان في ظل ارتفاع أسعار الفائدة.