نقلات «الرؤية» الطموحة
نقلة هائلة تعيشها السعودية اليوم نتيجة طبيعية للرؤية الطموحة. فنشهد عديدا من التغييرات على أصعدة مختلفة، سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية. تتضافر جميعها لتحقيق طموحات وطن ذي إمكانات كبيرة. وحتى نصل إلى نهاية طريق التحول، سنمر بمراحل مختلفة تتطلب كل مرحلة منها العمل الحثيث، وفي بعض الأحيان الصبر على النتائج. أول هذه المراحل تركز على إطلاق القوة الكامنة للاقتصاد واستغلال موارده وإمكاناته بالطريقة المثلى بإعادة الهيكلة. فحتى يكون لدينا اقتصاد نموه مستدام، فلا بد ألا يرتبط بالنفط. فبعد مرحلة التصحيح التي مرت بها أسعار النفط، وعودة اتجاه الأسعار إلى مسارها الطبيعي بالصعود المتدرج، فإن علينا زيادة سعة الاقتصاد لاستيعاب هذا المورد. عصر النفط النظيف لن ينتهي، وأسعاره ستستمر بالصعود حتى مع إيجاد بدائل للطاقة. والنفط السعودي من أنظف مصادر الطاقة ــــ بيئيا ـــ وأقلها تكلفة.
تمتاز المرحلة الأولى بتحولات اجتماعية سريعة، ستغير من الطريقة التي يعمل بها الاقتصاد والقطاع الخاص. فمع زيادة مشاركة المرأة في قوة العمل، فإن ذلك سيعمل على زيادة الإنتاجية وزيادة فرص العمل بشكل عام، إضافة إلى ذلك، ومع التركيز على التوطين لإعادة الشباب السعودي إلى ميادين العمل المختلفة، فإن معدل النمو السكاني سيستقر بشكل يخفف الضغط على الخدمات المطلوبة مستقبلا. وكذلك فإن القطاع الخاص سيكون مضطرا لاستيعاب التكلفة الحقيقية لأعماله دون الاعتماد على الحكومة. ولذلك سيكون من الطبيعي أن نشهد عديدا من الاندماجات لتوجد كيانات أكبر قادرة على رفع الكفاءة وزيادة التوظيف.
في المرحلة الثانية وبعد تجهيز القطاع الخاص للنقلة النوعية المقبلة، ستبدأ الفرص في فرض نفسها، خصوصا في قطاع الخدمات اللوجستية. وسنشهد امتداد البنية التحتية لمناطق مختلفة نحو المشاريع الكبرى لترتبط بالقطاعات التقليدية. فنرى موانئ المملكة شرقها وغربها تتصل بشبكة من سكك الحديد لتتيح المجال أمام نقل الموارد وتعزيز التنمية في مختلف المناطق. فتبدأ المناطق بالتخصص في مجالات بعينها كما حصل سابقا مع الجبيل وينبع في مجال البتروكيماويات. ليظهر واد سعودي للسيليكون، ومناطق سياحية، وأخرى للصناعات التحويلية والتعدينية. هذا الترابط سيحصل بدعم حكومي من الإنفاق الرأسمالي. وسيكون مصحوبا باستثمارات ضخمة في البحث والتطوير بشكل سيحفز المؤسسات التعليمية على رعاية الإبداع، ويوفر لها مصدرا مستداما للدخل.
كل ما سبق هو لبنات لبناء جديد، تكون فيه نيوم حجر الزاوية. فكل هذه القطاعات ستحتاج إلى التقنيات التي سيتم تطويرها في نيوم. فتقنيات المستقبل التي سيتم تطويرها في نيوم ستعمل كرافد مستدام لزيادة كفاءة الإنتاج في جميع القطاعات. فتكون المرحلة الثالثة حصادا لما تم استثماره في المؤسسات التعليمية، وستعتمد على المؤسسات الصغيرة المبتكرة التي تم إيجاد بيئة مناسبة لتحفيزها في المراحل السابقة. وهكذا سيصبح الاقتصاد السعودي قادرا على استيعاب زيادة التدفقات المالية من القطاعات التقليدية، بل حتى الاستثمارات الأجنبية لمواكبة النمو الاقتصادي.