التحفيز المالي للحفاظ على البيئة

بعد عملية الإنقاذ استقر التوظيف في صناعة السيارات ثم انتعش، وظهرت الشركات مجددا ككيانات مربحة. والواقع أن صناعة السيارات أضافت أكثر من ربع مليون وظيفة، تحديدا 236 ألف وظيفة، منذ عام 2009. كما أن السيارات والشاحنات الجديدة التي تباع في أمريكا تحرق وقودا أقل بكثير مما كانت تحرقه قبل عقد من الزمان.
وبالمثل، طرحت كوريا الجنوبية في 2009 الاتفاق الجديد المراعي للبيئة استجابة منها لثاني أكبر انكماش اقتصادي في البلاد في الربع الأخير من 2008 فيما كانت تعاني أيضا آثار تغير المناخ والتلوث وارتفاع مستوى الاعتماد على الوقود الأحفوري المستورد. ومن خلال هذا التوجيه على صعيد السياسات، حددت الحكومة مشاريع أساسية ينصب تركيزها على الطاقة المتجددة، والمباني التي تتميز بكفاءة استهلاك الطاقة، والمركبات والسكك الحديدية منخفضة انبعاثات الكربون، وإدارة المياه والنفايات لتحفيز النمو الاقتصادي، وتوفير فرص عمل اقتصادية، وتحسين النواتج البيئية. بدأ البرنامج بخطة استثمارية بقيمة 50 تريليون ون كوري - 38.5 مليار دولار - للفترة 2009-2012. وفي الوقت نفسه، أعدت موازنة تكميلية إضافية كحزمة تحفيز مراع للبيئة بنسبة 6.3 في المائة من موازنة العام المالي 2009، وبذلك كانت الموازنة التكميلية الأكبر في تاريخ موازنات كوريا. الأهم من ذلك أن هذا الجهد أعطى دفعة لتطوير تكنولوجيا مراعية للبيئة وصناعة مراعية للبيئة في البلد، فنمت صناعة الطاقة المتجددة 6.5 مرة من حيث المبيعات و7.2 مرة من حيث الصادرات منذ 2007. علاوة على ذلك، تم تنشيط الاستثمار الخاص المراعي للبيئة، حيث أظهر الاستثمار المراعي للبيئة من جانب أكبر 30 تكتل شركات زيادة سنوية بنسبة 75 في المائة بين عامي 2008 و2010. كما تمخض برنامج التحفيز أيضا عن محركات نمو جديدة، ومنها الانتهاء من أكبر مصنع لبطاريات السيارات الكهربائية في العالم، وهو ثاني أكبر مصنع من هذا النوع على مستوى العالم، وشهد هذا المصنع تحولا جذريا من تحقيق عجز تجاري إلى تحقيق فائض في 2010.
كيف يبدو شكل برنامج التحفيز المراعي للبيئة الذي يساند التعافي الاقتصادي مع الحد من تلوث الهواء في الوقت نفسه؟.
لهذا الغرض، من المهم أن نفهم تكوين مصادر تلوث الهواء. تشير اتجاهات الجسيمات الدقيقة بقطر أقل من 2.5 ميكرون في الواقع إلى مساهمة قطاعات عديدة في مستويات تركيز هذه الجسيمات، ورغم أهمية المصادر المرتبطة بالنقل، فإن القطاعات الأخرى تسهم بنصيبها أيضا، وتشمل توليد الطاقة والتلوث الصناعي، واستخدام الكتلة الإحيائية للحصول على الطاقة المنزلية، والزراعة. وبالتالي ينبغي لأي برنامج للحد من تلوث الهواء أن يكون عابرا للقطاعات المتعددة. علاوة على ذلك كما سبق أن ذكرنا، سيحتاج هذا البرنامج إلى الجمع بين تدابير على جانبي العرض والطلب.
هناك عديد من التدابير التي يمكنها تعزيز التعافي الاقتصادي وتحسين جودة الهواء في الوقت نفسه. يمكن أن يؤدي إنشاء مناطق منخفضة الانبعاثات ومناطق مخصصة للمشاة إلى الحد من تلوث الهواء وتحفيز نمو اقتصاد البيع بالتجزئة عبر المطاعم والتسوق، وهذا مثال آخر من الأمثلة التي تكتسب زخما حيث يريد المواطنون الحفاظ على نظافة الهواء في مدنهم.
في الختام، رغم تحسن بعض عناصر جودة الهواء، فإن الملوثات الأشد ضررا - الجسيمات الدقيقة بقطر أقل من 2.5 ميكرون - ما زالت موجودة رغم الإغلاق الاقتصادي. أضف إلى ذلك احتمال عمل هذه الجسيمات على زيادة انتقال العدوى بفيروس كورونا وشدة هذه العدوى. وبالتالي لا ينبغي أن تصرف الحكومات انتباهها عن إدارة تلوث الهواء خلال هذه الفترة.
وكخطوة أولى، يستطيع واضعو السياسات اعتماد التدابير التالية:
- على المدى القريب، يجب على الدول إبقاء برامج مكافحة تلوث الهواء على مسارها وعدم تخفيف اللوائح التنظيمية البيئية باسم النمو الاقتصادي، وعدم تشجيع الأنشطة التي قد تؤدي إلى طفرة في تلوث الهواء على المدى القصير.
- مع تحويل الحكومات اهتمامها إلى التعافي الاقتصادي، يجب عليها اعتماد برامج للتحفيز المالي المراعي للبيئة لتحقيق مزيد من النمو والحد من التلوث، وهذا أمر ممكن.
- أخيرا: تعد البيانات عنصرا أساسيا، وينبغي للدول قياس النطاق الكامل للملوثات وإتاحة هذه المعلومات في الزمن الحقيقي. وسيعطينا الجمع بين البيانات المستمدة من أنظمة الرصد الأرضية والأقمار الاصطناعية صورة أدق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي