تنفيذ الجسور في المدن الاستراتيجية

ظفرت جدة بمجموعة هائلة من المشاريع التنموية الكبيرة منذ أيام قلائل وفي وقت سابق، جعلت منها مدينة ذات أبعاد اقتصادية ومردود سياحي جذاب، إلا أنها ما زالت تتطلع إلى تنفيذ مشـروع جســر أبحر الذي سبق إقرار تنفيذه في وقت سابق، وأحسب أن تنفيذ الجســور في المدن الاستراتيجية من الأمور البديهية، لأن الجسور بطبيعتها هي علامة من العلامات التاريخية المضيئة في مشاريع التنمية بالمدن التاريخية.
بمعنى أن مشـاريع الجســور وبالذات الجسور التي تربط ضفتين أو شـاطئين في وسـط المدن الكبرى من المشـاريع التي تكتب تاريخ بناتها، وكثيرون هم الذين ذهبوا، ولكن بقيت الجسـور معلما حضـاريا وذات عوائد اقتصادية متعددة تتحدث عن أصحابها وعن مزاياها وفوائدها عبر التاريخ. وأتصـور أنه لو اطلعنا وتفحصنا جسـرا مثل بروكلاند في مدينة نيويورك، وأيضا أخذ معلومات عن جسر سان فرانسسكو على ضفاف كاليفورنيا، ثم عرجنا على جسور أوروبا الخلابة، ثم انتقلنا إلى كبري قصر النيل والسادس من أكتوبر في القاهرة، وكبري الفرات بالعراق، وغير ذلك من الجسور والكباري التي تربط بين ضـفتي نهر أو تربط بين شـاطئين، وأقول إذا أتيحت فرصة لمثل هذه الزيارات الخاطفة لهذه الأنواع المختلفة من الجسور، فإنها سـتعطي جسـر أبحر أهمية تتجاوز كل الأســباب التي أدت إلى تأجيل تنفيذ المشروع لمرات عديدات.
ولماذا نذهب بعيدا فأمامنا جسر الملك فهد الرائع الذي ربط مدينتي الخبر والمنامة، وإذا استعرضنا فوائده وفضائله الآن نجد أنها انعكسـت إيجابا على مجمل العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي تربط الحكومتين والشعبين الشقيقين. وإذا كان البعض يحذر من عدم تنفيذ جسـر أبحر لأســباب بيئية، فإن تنفيـذ الجسـر في العصر الحديث سـيراعي قضية البيئة ولا يتجاهلها بالقطع، ويتخذ كل الأســباب المؤدية إلى القضاء على الأضرار البيئية وتنفيذ المشروع بعيدا عن أي أضرار بيئية صغرت أو كبرت. إن كل مشـاريع التنمية لها إفرازات، ولكن العلم أتاح للإنسـان فرصـة الاســتمرار في تنفيذ مشاريع التنمية والإعمار مع تقليل الأضرار الجانبية إلى أدنى مسـتوياتها.
واليوم لا تبنى الجسـور لأســـباب مظهرية، وإنما تبنى لتحقيق فوائد اقتصادية، وسياسية، واجتماعية، وثقافية وترفيهية لتحقيق مفهوم جودة الحياة، بل تبنى أيضا لإضـفاء مســحة من الجمال على العمران والبناء، كما أن الجسـور تبنى مصحوبة بمجموعة من المشـاريع الثقافية والسياحية حتى تكون معلما تاريخيا تستفيد منه الأجيال المتعاقبة.
وجدة المدينة الجذابة للسياح والدافئة في أمس الحاجة إلى بناء أول جســر يعانق أبحر الشمالية بأبحر الجنوبية، ولنقل ما نشاء في فوائد هذا المشـروع، فمن الناحية الاقتصادية يعطي الجسر عبقرية جديدة تضيفها جدة إلى قائمة العبقريات التي تتمتع بها هذه المدينة الفاضلة، إضافة إلى أن المشروع سـيعطي الناس مســاحة شــاطئية جديدة.
إن مشروع جسر أبحر سـيحول الطرف الشمالي من جدة إلى مدينة غنوجة تتبختر بقوامها الرشيق وتتغنى بجمالها الوسيم، ونذكر أنه في أحضان مشروع الجسر الذي طرح للتنفيذ ثم سـحب، قررت مجموعة كبيرة من الشركات الاستثمارية ومنها شركة المملكة القابضة التخطيط لبناء مشروع سياحي قدرت تكاليفه بأكثر من مليار ريال، ومن ناحيتها فقد قامت شركات البترجي بتنفيذ كلية العلوم الطبية التي أصبحت معلما طبيا ومنارة للعلم والتنوير، كما أن الحكومة من جانبها نفذت مشروع تجميل شارع الكورنيش المديد كي يســتوعب مزيدا من الذاهبين والقادمين، وكذلك قامت الحكومة ببناء أكبر مستشفى حكومي "مستشفى الملك عبدالله بن عبدالعزيز" على الشاطئ الشمالي من مدينة جدة وهو الآن يقدم خدماته الصحية لعدد كبير من المواطنين والوافدين.
أكثر من هذا نســتطيع القول إن مشروع الجســر سـيكون امتدادا لمجموعة المراكز التجارية العملاقة التي تم تنفيذها أخيرا على طريق المدينة / أبحر، وطريق الكورنيش / أبحر، أي أن المشروع أصبح ضرورة يجب تنفيذه الآن لاســتكمال أجمل خطوط العمارة، والتجارة، والسياحة على أجمل سـواحل بحر القلزم "عفوا البحر الأحمر".
وهكذا عندما نبدأ في تنفيذ المشروع، تبدأ شـرايين الساحل الشمالي تنبض بالمشاريع التي ستحول شاطئ شرم أبحر إلى ربيع دائم على خريطة من الجمال الذي لا ينتهي. وغدا حينما ينتهي الجسر يبدأ الشــعراء في نظم القصائد الرائعة والغزل، وحينما ينتهي الجسر تصعد فوق ممشــاه روح الشــباب، وتمتشق على جانبيه وحول أرصفته المقاهي والكافيهات والمقاهي وتنتعش المنطقة حول الجسر اقتصاديا، فتمنحه الجمال والحياة، وبعد أن ينتهي الجسر يتوافد الســياح إلى الجسر كي يلتقطوا الصور التذكارية، ويبثوا في الجسر ذكريات حالمة يؤكدون أنها ستتكرر في كل عام، وهكذا يجب أن نبدأ على عجل وندق ساعة العمل في جسر أبحر العظيم. وأخيرا وليس آخرا إن مشروع جسر أبحر تحتاج إليه مجموعة مشاريع البحر الأحمر التي ستجعل جدة من المدن الذكية والعبقرية في خريطة السياحة السعودية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي