الابتكار بين تقديم الحلول وإيجاد الفرص «1من 2»

قد يكون من الضروري أن يتكون لدى المهتمين بالابتكار ومبادئه، والطرق الموصلة إليه تصور واضح المعالم عن كيفية تفعيل الابتكار، والسبل المؤدية لتحقيق أثر ذي جدوى بشكل عام. في هذا المقال سأتناول أبرز نهجين، وإن كان لهما ثالث، لقيادة وتنفيذ عملية الابتكار. المسار الأول يحدث بدافع تلبية طلب أو حل مشكلة قائمة، فبغض النظر عن مدى تعقيد المشكلة مدار البحث والاستكشاف، إلا أن النتائج المرجوة لحلها واضحة ومحددة. على النقيض من ذلك، في المسار الثاني للابتكار عادة ما يحيط الهدف أو المقصد النهائي شيء من الضبابية، كما أن مخرجات هذا الابتكار لا تتسم بالنضج أو الجاهزية للاستخدام أو الإطلاق في الأسواق.
المسار الأول لنهج الابتكار الذي أشرنا إليه يتأثر بعامل جذب أو طلب السوق. كما تتعدد الصور التي يحدث فيها ابتكار الجذب والطلب، فأبحاث السوق أو التوجهات الحالية لسلوك المستهلك تؤدي إلى التعرف على إما تحديات وإما فرص يقوم المبتكر بانتهازها وتلبية احتياجاتها في السوق. كما أن التجارب الشخصية التي تولد شعورا بالمعاناة أو عدم الرضا من خدمة مقدمة أحيانا تكون باعثا قويا للابتكار.
في 2003، واجه البريطاني توم أليسون تجربة سيئة عندما قام بإرسال مجموعة من التذاكر لعدد من رفقائه لحضور إحدى الفعاليات عبر خدمة الشحن السريع، حيث فوجئ بعدم وصول التذاكر لرفقائه. كما لم يستطع أليسون أيضا تحديد موقع عربة النقل بعد قيامه باتصالات عدة على مكتب البريد ليتمكن من تولي المهمة بنفسه، وإيصال التذاكر للمجموعة. كانت تلك التجربة غير الناجحة باعثا له للتفكير بوسيلة أخرى لتقديم خدمات شحن اليوم الواحد. وبالفعل، استطاع أليسون تأسيس شركة هو وشريكه سميت بـ eCourier تعتمد على تقنيات الإنترنت وتقوم بعمليات التتبع باستخدام نظام التموضع العالمي GPS، لتحقق نجاحا منقطع النظير عند إطلاقها في لندن.
​كان ابتكار خدمة شحن الطرود السريع بتوظيف التقنية قد خرج من رحم معاناة أحد العملاء، الذي ترجمه إلى تأسيس إحدى شركات الخدمات اللوجستية الناجحة في المملكة المتحدة. إن منهج الابتكار المدفوع بطلب أو جذب السوق أصبح أكثر انتشارا، خصوصا مع تطور شبكات الإنترنت والاتصالات، وبروز عديد من التقنيات الناشئة. كما أن معظم الشركات الناشئة الحديثة ورياديي الأعمال اليوم حققوا منتجاتهم أو خدماتهم المبتكرة عبر استكشاف التحديات أو الفرص المتوافرة في الأسواق، وتقديم حلولهم الابتكارية وفقا لذلك.
غير أن الحديث عن منهج الابتكار والأسباب الباعثة له لا يعني بالضرورة نجاح المنتج المبتكر أو الخدمة المقدمة. عوامل أخرى تلعب دورا محوريا في نجاح منتجات الابتكار وانتشارها في الأسواق. فالتوقيت المناسب لإطلاق خدمة مبتكرة، إلى جانب أصالتها وتقديم حل لمشكلة محددة، يزيد من فرص نجاحها ورواجها بين المستخدمين. الأنظمة والتشريعات أيضا لا تقل أهمية عن المنتج المبتكر نفسه، ففرض قيود أو تعرفة على منتج أو خدمة جديدة، قد يثبط الاستثمار فيها وبالتالي تبنيها.
​إن مما يميز مسار الابتكار المعتمد على جذب السوق، هو قصر مرحلة نضجه مقارنة بالمسار الثاني المعتمد على البحث المدفوع بالمعرفة. فبسبر المشكلة أو الفرصة الكامنة في السوق، تبدأ مرحلة الابتكار بشكل مباشر دون تمضية وقت طويل في التطوير والاستكشاف، لتنتهي بعمل ابتكاري جاهز للإطلاق التجاري. في مقال الأسبوع المقبل سنتناول الحديث عن المسار الثاني للابتكار ــ بإذن الله... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي