العملات الرقمية والتكنولوجيا المالية «1 من 3»

في كتابي الأخير بعنوان The Future of Money ودور العملات الرقمية والتكنولوجيات المالية الأخرى في إحداث تحول جذري في كل شيء بداية من الخدمات المصرفية المقدمة للمستهلكين حتى السياسة النقدية والمدفوعات الدولية، حيث تناولت المزايا والمخاطر الناتجة عن استخدام مختلف أشكال النقود الجديدة.
إن الأموال في صورتها النقدية أصبح مصيرها الفناء، حيث تمثل المدفوعات الرقمية وسيلة سهلة بالنسبة للمستهلكين والشركات، ما يجعل استمرار النقد أمرا مستبعدا للغاية. وفي الصين توجد جهتان لتقديم خدمات الدفع الخاصة، وهما شركة Alipay وشركة WeChat Pay. وقد نجحتا في تغطية الاقتصاد الصيني بالكامل من خلال توفير خدمات الدفع الرقمي بتكلفة منخفضة. فمن الممكن استخدام هذه الخدمات لإجراء عملية بسيطة كشراء قطعة من الفاكهة أو قطعتين من الفطائر من أحد الباعة الجائلين. وفي الاقتصادات المتقدمة مثل السويد، نری تقدما مماثلا في القطاع الخاص الذي يوفر بالفعل خدمة المدفوعات الرقمية بتكلفة زهيدة للغاية.
ويرجح استخدام العملات المشفرة، مثل بيتكوين في شراء كوب من القهوة أو دفع الإيجار ولم تحقق بيتكوين نجاحا كبيرا کوساطة للتبادل يمكن استخدامها في المعاملات اليومية. ومن أهم الأسباب وراء ذلك هو أن قيمة بيتكوين غير مستقرة بدرجة كبيرة. فالأمر أشبه بذهابك إلى أحد المقاهي حيث يمكن أن تشتري لك بيتكوين وجبة كاملة في أحد الأيام، أو کوبا صغيرا من القهوة فقط في يوم آخر، ويتسم استخدام بيتكوين بقدر من البطء والتعقيد أيضا.
ولحل لمشكلة التقلبات توجد أنواع جديدة من العملات المشفرة يطلق عليها اسم العملات المستقرة، حيث تستمد قيمتها الثابتة أساسا من خلال تغطيتها بمخازن من عملات الثقة، مثل الدولار أو اليورو، أي إنها تصبح مربوطة بقيمة تلك العملات، ما يتيح استخدامها في إجراء المدفوعات المحلية والمدفوعات عبر الحدود الوطنية بمزيد من الفعالية والكفاءة.
وأشرت في كتابي إلى أن العملات المستقرة قد لا تكون مستقرة في الواقع كما تبدو. فهناك مخاطر ناتجة عن استخدام تلك العملات، وقد يصرح مصدرو العملات المستقرة بأنهم سيحتفظون بأرصدة من الأوراق المالية السائلة، لكن من سيتأكد من حيازتهم هذه الأوراق المالية في الواقع؟ حتى إن احتفظوا بأوراق مالية، فمن الممكن أن يحاول كثيرون استرداد قيمة هذه العملات المستقرة وتحويلها إلى عملات ثقة في الوقت نفسه ليكتشفوا حينها أن عديدا من هذه الأوراق المالية، التي يفترض أنها تتيح غطاء للعملات المستقرة، ليست سائلة، كما قد يعتقد البعض، أي ليس من السهل تحويلها إلى عملات ثقة. كما أن هناك مخاطر أخرى ومخاوف من أن العملات المستقرة ما لم تخضع للتنظيم الصارم، قد تصبح وسيلة للتمويل غير المشروع لمختلف أنواع الأنشطة داخل الحدود الوطنية وخارجها. وهناك مشكلة أخرى بالطبع، وهي أن العملات المشفرة، مثل بيتكوين، لا تعرف الحدود. وسيكون من الصعب على أي بلد بمفرده إخضاع هذه العملات المشفرة لقواعد تنظيمية فعالة. ويتعين بالتالي وجود آلية عالمية لتنسيق هذه السياسات التنظيمية... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي