استمرار السطوة رغم الكبوة «2 من 3»

من شأن هذه التطورات تخفيف حدة العيوب المرتبطة بالمدفوعات في مجال التجارة الدولية، نظرا إلى أن تسريع وتيرة إجراء التسويات يحد من مخاطر تقلبات أسعار الصرف. وستقل حاجة المصدرين والمستوردين إلى التحوط ضد مخاطر أسعار الصرف الناتجة عن التأخر الشديد في معالجة وتسوية المدفوعات. كذلك سيستفيد من انخفاض الرسوم المهاجرون الذين يرسلون التحويلات إلى دولهم الأم، التي تعد من أهم مصادر الإيرادات في عديد من الاقتصادات النامية.
كذلك تشهد أسواق الصرف الأجنبي تغيرات بدورها. فعلى سبيل المثال، ازدادت سهولة إجراء المعاملات بين أزواج عملات الأسواق الصاعدة بفضل نضج الأسواق المالية ونظم المدفوعات. وعادة ما كان تحويل هذه العملات إلى الدولار والعكس أكثر سهولة وأقل تكلفة مقارنة بالتحويل فيما بينها. لكن الصين والهند، على سبيل المثال، لن تكونا في حاجة عما قريب إلى تحويل عملتيهما إلى الدولار لإجراء المعاملات التجارية بتكلفة بسيطة، بل سيكون بإمكانهما مبادلة اليوان بالروبية بتكلفة أقل. ومن ثم سيتراجع الاعتماد على "العملات الوسيطة"، ولا سيما الدولار.
وخلاصة القول، إنه كلما ازدادت سهولة إجراء المدفوعات الدولية، وربما حجمها أيضا بفضل انحسار العيوب، يمكن أن يتراجع دور الدولار باعتباره عملة وسيطة في تنفيذ المدفوعات. وبالتوازي مع هذه التغيرات، سيتراجع أيضا استخدام الدولار كعملة مهيمنة على تقويم مختلف المعاملات. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تتراجع أهمية تسعير عقود النفط بالدولار إذا تمكنت الصين من استخدام اليوان في الدفع مقابل مشتريات النفط.
وبشأن استخدام العملات الرقمية فقد تؤثر التكنولوجيات الرقمية في بعض الجوانب الأخرى للنقود. ففي ظل التراجع السريع في استخدام النقد، يمضي عديد من البنوك المركزية قدما نحو إصدار العملات الرقمية ـ أو يجري عددا من التجارب في هذا الصدد. ويجري حاليا البنك المركزي في الصين، ضمن مجموعة من الاقتصادات الكبرى، تجارب متقدمة نحو إصدار عملته الرقمية.
وفي ظل الاحتمالات بإصدار يوان رقمي في جميع أنحاء العالم، ازدادت التكهنات بشأن إمكانية تفوق اليوان الصيني على العملات الأخرى وربما منافسته للدولار. غير أن اليوان الرقمي لن يستطيع وحده تحويل ميزان القوى بين العملات الرئيسة. فمعظم المدفوعات الدولية تتم من خلال وسائل رقمية بالفعل. لكن نظام المعاملات بين البنوك عبر الحدود الذي وضعته الصين للتواصل مباشرة مع نظم المدفوعات في الدول الأخرى هو الذي سيكون بمقدوره تعزيز وضع اليوان كإحدى عملات المدفوعات الدولية.
وعلى الرغم من ذلك، لا يزال اليوان يفتقر إلى بعض السمات الأساسية التي يتعين أن تتوافر عادة في عملات الاحتياطي لاعتبارها مخزنا موثوقا للقيمة. وأحرزت الصين قدرا من التقدم في هذا المجال ـ حيث أزالت القيود المفروضة على التدفقات الرأسمالية عبر الحدود، وسمحت بتحديد قيمة عملتها حسب قوى السوق، ومنحت المستثمرين الأجانب فرصة أكبر للمشاركة في أسواق السندات المحلية. غير أن الحكومة رفضت عددا من التغييرات المؤسسية اللازمة لكسب ثقة المستثمرين الأجانب، بما في ذلك استقلالية البنك المركزي وسيادة القانون. والصين هي الوحيدة بالفعل ضمن اقتصادات عملات الاحتياطي التي تنقصها هذه السمات... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي