استمرار السطوة رغم الكبوة «3 من 3»
أحرز اليوان قدرا من التقدم باعتباره إحدى العملات الدولية. فوفقا لبعض المقاييس، يستخدم اليوان في تنفيذ 3 في المائة تقريبا من معاملات الدفع الدولية، كما يمثل نحو 3 في المائة من احتياطيات النقد الأجنبي العالمية. وهذه المؤشرات التي تقيس تفوق اليوان ستتحسن بالطبع مع نمو الاقتصاد الصيني وأسواقه المالية، وقيام المستثمرين الأجانب، بما في ذلك البنوك المركزية، باستثمار جزء أكبر من حوافظهم في الأصول المقومة باليوان ـ ولو حتى على سبيل التنويع. لكن من غير المحتمل أن يهدد اليوان مركز الدولار باعتباره العملة المهيمنة إلا إذا نجحت الصين في إجراء إصلاحات اقتصادية تسترشد بآليات السوق وإدخال تطويرات على إطارها المؤسسي.
تمثل التكنولوجيات الحديثة دافعا وعائقا في الوقت نفسه بالنسبة إلى اقتصادات الأسواق الصاعدة، غير أن آثارها الجانبية ـ التي ربما تصاحبها تطورات أخرى ـ قد تؤدي في نهاية المطاف إلى تعزيز هيمنة الدولار لا إلى تراجعها.
فمن ناحية، ستسهم التكنولوجيات المالية الحديثة كما أشرنا آنفا في فتح مجال أكبر أمام الشركات والأسر في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية لدخول الأسواق المالية العالمية. ومن خلال الحد من عيوب المدفوعات الدولية، سيمكن للشركات في هذه الاقتصادات الاستفادة من رؤوس الأموال العالمية، وسيسهل على الأسر استغلال الفرص المتاحة لتنويع حوافظها الدولية ـ ما سيسمح بتحقيق عائد أكبر على مدخراتها وإدارة المخاطر في الوقت نفسه.
من ناحية أخرى، فإن انتشار الكيانات الوسيطة التي تساعد على تدفق الأموال عبر الحدود الوطنية سيجعل الاقتصادات النامية أكثر عرضة لآثار التغيرات غير المتوقعة في سياسات البنوك المركزية الكبرى وأهواء المستثمرين المحليين والدوليين. وقد يؤدي ذلك أيضا إلى الحد من فاعلية الضوابط الرأسمالية. فحتى العملات المشفرة، مثل بيتكوين، استخدمت كقنوات لهروب رؤوس الأموال في حالات انهيار العملات الوطنية وتهاوي ثقة المستثمرين المحليين في النظم المصرفية لدولهم. خلاصة القول إن زيادة التدفقات الرأسمالية وتقلبات أسعار الصرف ستجعل من إدارة السياسات المحلية مهمة أكثر تعقيدا، ما سيؤدي إلى تقويض الاستقرار الاقتصادي والمالي في هذه الاقتصادات. وعادة ما يستجيب صناع السياسات في الأسواق الصاعدة بحماية اقتصاداتهم من هذه التبعات من خلال زيادة أرصدة الاحتياطيات الأجنبية من العملة الصعبة. لكن حرمان روسيا من استخدام الجزء الأكبر من احتياطياتها الأجنبية ـ نتيجة العقوبات الغربية المفروضة بسبب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا ـ يتضح معه أن هذه الهوامش الوقائية قد تصبح غير متاحة في وقت ربما يكون فيه الاقتصاد في حاجة ماسة إليها. ونتجت عن ذلك تكهنات بأن اقتصادات الأسواق الصاعدة ستنظر في استخدام أصول احتياطية أخرى ـ مثل الذهب أو العملات المشفرة أو اليوان ـ كبدائل للسندات الحكومية الصادرة عن الاقتصادات المتقدمة.
لكن واقع الأمر أن هذه الأصول، مثل الذهب، لا تمثل بديلا عمليا نظرا إلى أن أسواقها لا تتمتع بالسيولة الكافية، أي أنه سيكون من الصعب بيع رصيد كبير من الذهب خلال فترة قصيرة دون التسبب في تراجع كبير في أسعاره. وتنطوي العملات المشفرة على مشكلة إضافية تتمثل في أن قيمتها غير مستقرة إلى حد كبير. حتى احتياطيات اليوان قد تكون الاستفادة منها محدودة نظرا إلى كونها غير قابلة للتحويل أمام جميع العملات.
وفي المستقبل القريب، يحتمل أن يكون هناك طلب قوي بل متزايد على "الأصول الآمنة" التي تتمتع بالسيولة وتتوافر بكميات كبيرة وتدعمها دول ذات نظم مالية موثوقة. غير أن العرض المتاح من هذه الأصول محدود، ويظل الدولار ـ الذي يجتمع فيه كونه عملة أكبر اقتصاد ونظام مالي في العالم، ومدعوما بإطار مؤسسي قوي ـ هو مصدرها الأساس. وقد أدت الرغبة في التنويع أخيرا إلى زيادة طفيفة في أنصبة الدولار الأسترالي والكندي والنيوزيلندي في احتياطيات النقد الأجنبي العالمية، غير أن هذه العملات ـ وغيرها من عملات الاحتياطي الرئيسة، مثل اليورو والجنيه الاسترليني والين الياباني ـ لم تؤثر إلا بدرجة محدودة في نصيب الدولار الأمريكي.