ظاهرة الصدى «الإيكوفينومينا»

هناك عديد من الظواهر الطبيعية التي صاحبت الإنسان منذ بدء الخليقة، ومن تلك الظواهر ما يعرف بظاهرة الصدى Echophenomena، وكان الناس يعتمدون عليها كثيرا لإيصال أصواتهم إلى أماكن بعيدة. العرب يسمونها "بنت الجبل" ففي القاموس الوجيز تعرف بنت الجبل بأنها صوت يرجع إلى الصائح ولا حقيقة له، ويضرب للرجل يكون مع كل واحد وإنما أنثت فقيل "بنت" ذهابا إلى النتيجة أي أنها تنتج منه أو إلى النصيحة.
وفي كتاب "مجمع الأمثال" لأبي الفضل النيسابوري ورد ذكر المثل "بنت صفا تقول عند سماع" وفي الشرح بنت الصفا مثل قولهم "بنت الجبل" يعنون بها الصدى وهو صوت يسمع من الجبل وغيره، يضرب لمن لا يدعى إلى خير أو إلى شر إلا أجاب كما أن صدى الجبل يجيب كل صوت.
وقد بدأت الاستفادة من هذه الظاهرة لاستغلالها وتوظيفها في مجال الفضاءات السمعية وأصبحت لا تقتصر على الصوت فحسب، بل تعدت ذلك لتشمل الموجات الكهرومغناطيسية. يعرف الصدى علميا بأنه الصوت الناتج عن نبضات أو موجات الهواء عندما تلتقي هذه الموجات بسطح معاكس، فيحدث انعكاس للموجات الصوتية مثل موجات الضوء، ومن هنا يمكن استخدام ذلك لتحديد مسافة جسم عاكس مثل جبل أو مبنى كبير. يقدر الفاصل الزمني بين بداية الصوت وانعكاسه "صدى الصوت" بواحد من عشرة من الثانية، ويشير العلماء إلى أن الصوت والضوء متشابهان في السلوك من حيث الانعكاس إلا أن الاختلاف يكمن في السرعة، إذ ينتشر الضوء بسرعة عالية جدا تقدر بـ300 ألف كيلومتر في الثانية، أما الصوت فسرعة انتشاره في الهواء لا تتجاوز 340 مترا خلال الثانية الواحدة.
يستخدم ربان السفن صدى الصوت لتقدير بعد السفينة عن جبل جليدي أو حاجز صخري، وذلك بإطلاق صوت صفارة وقياس الزمن الفاصل بين لحظة إطلاق الصوت ولحظة سماع صداه أو ارتداده. وكذلك تستخدم ظاهرة الإيكوفينومينا لقياس عمق الماء تحت السفن بأسلوب مماثل. يعد الاستشعار بالصدى بمنزلة وسيلة يعتمد عليها بعض الحيوانات كالدلافين والحيتان والخفافيش لاقتناص فرائسها وإدراك المعوقات التي تواجهها. وقد تمكن الإنسان من استغلال ظاهرة الصدى في كثير من المجالات مثل الكشف والتنقيب عن آبار النفط، وإيجاد عمق البحار والمحيطات، وتشخيص بعض الأمراض باستخدام الموجات الصوتية وكذلك للكشف عن أماكن تجمع الأسماك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي