الابتكار .. وبلاك روك

تحدثت في مقالات سابقة عن ثورة التقنيات الرقمية وكيفية مساهمتها في التطور الإلكتروني السريع الذي نشاهده في عالمنا اليوم في مختلف المجالات، سواء كانت اجتماعية، أو اقتصادية، أو دفاعية وغيرها، وضربت أمثلة على ذلك بطرق متعددة.

واليوم سيكون الحديث عن مثال لإحدى الشركات العالمية، التي من خلالها سأسلط الضوء، على الكيفية التي لعب فيها الابتكار الرقمي باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، الدور المحوري في جعلها من أقوى الشركات العالمية في عالم الأسواق المالية، وفي إدارة وتمكين الأصوال المالية.
هذه الشركة هي شركة بلاك روك، وهي شركة أمريكية مقرها الرئيس في مدينة نيويورك، بدأت العمل منذ 1988، بتخصص إدارة المخاطر والأصول المؤسسية، وهي واحدة من الشركات الرائدة عالميا في مجال الاستثمارات والاستشارات وتقديم الحلول وإدارة المخاطر، وفي 2000 قامت شركة بلاك روك بتأسيس BlackRock Solutions، التي تعتمد على منصة إلكترونية، أطلق عليها اسم منصة علاء الدين، وهذا الاسم اختصار Asset، Liability and Debt and Derivative Investment Network: Aladdin، وهي تعد البداية للشركة كمزود للتكنولوجيا.

وبفضل هذه التقنية الابتكارية، الشركة اليوم تعد واحدة من أكبر ثلاث شركات على مستوى العالم لإدارة الأصول مع شركة فانجارد للاستثمار، وشركة ستيت ستريت، حسبما ورد في تقرير مشروع الحريات الاقتصادية الأمريكية غير الربحي لـ2020، حيث بلغت أصولها ما يزيد على عشرة تريليون دولار، ولديها 70 مكتبا في نحو 30 دولة وعملاء في نحو 100 دولة.
منصة علاء الدين هي منصة لإدارة عمليات الاستثمارات الشاملة، وعامل مهم ومساعد لاتخاذ القرارات من خلال دقتها في التوصيات، فهي عبارة عن نظام إلكتروني تم إنشاؤه من قسم إدارة المخاطر في شركة بلاك روك للحلول، ويتم استخدامها من قبل المستثمرين المؤسسيين، ومديري الأصول والصناديق الاستثمارية وتشمل صناديق التقاعد وشركات التأمين وغيرها، هذا النظام تم تصميمه بالاستفادة من برمجيات الذكاء الاصطناعي فهو يجمع بين تحليلات المخاطر المتطورة وإدارة المحافظ الشاملة وأدوات التداول والعمليات وإصدار التوصيات على منصة واحدة وموحدة، في 2013، تعاملت هذه المنصة مع نحو 11 تريليون دولار من الأصول "بما في ذلك 4.1 تريليون دولار لشركة بلاك روك"، التي كانت تمثل نحو 7 في المائة من الأصول المالية في العالم، وتتبع نحو 30 ألف محفظة استثمارية، وفي 2020، تمكنت هذه المنصة من إدارة أصول بقيمة 21.6 تريليون دولار، ولأن عامل الاستدامة من الأمور الضرورية والمهمة في عالم الابتكارات النوعية، عملت الشركة على عقد عدة شراكات استراتيجية مثل تلك مع شركة مايكروسوفت لاستضافة البنية التحتية لمنصة علاء الدين على النظام الأساسي السحابي Microsoft Azure، الذي سيوفر لها أعلى معايير المرونة والأمان فيما يخص قواعد البيانات، إضافة إلى شراكاتها مع شركات كبرى مثل "أبل" وغيرها، وبالتالي أصبح للشركة نفوذ اقتصادي ومالي واسع، فعلى سبيل المثال تبلغ ملكية شركة بلاك روك في سوق الأسهم السعودية فقط أكثر من 23 مليار ريال، ومن هنا نرى أهمية دمج التقنيات الابتكارية ودورها في تمكين الريادة والاستدامة.
وفي السعودية نرى الاهتمام بقطاع الابتكار واضحا وملموسا، يظهر ذلك من خلال تصريح الأمير محمد بن سلمان ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء، بقوله، "اعتمدنا تطلعات طموحة لقطاع البحث والتطوير والابتكار، لتصبح المملكة من رواد الابتكار في العالم، وسيصل الإنفاق السنوي على القطاع إلى 2.5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في 2040، ليسهم القطاع في تنمية الاقتصاد الوطني وتنويعه من خلال إضافة 60 مليار ريال إلى الناتج المحلي الإجمالي في 2040، واستحداث آلاف الوظائف النوعية عالية القيمة في العلوم والتقنية والابتكار".

وأرى ومن خلال ما تم استعراضه في التقرير الخاص من مجلة "فوربس" الشرق الأوسط، بالتعاون مع هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار، عن واقع الابتكار الوطني، حيث يشمل التقرير الشركات الأكثر ابتكارا في السعودية لـ2022، أن المستقبل مشرق لهذا القطاع، ولا شك أنه يوجد لدينا عديد من الكفاءات ذوي الأفكار الملهمة التي إذا ما تم استغلالها الاستغلال الأمثل سيسهم ذلك بكل تأكيد في تحقيق هذه التطلعات الطموحة لهذا القطاع.
الجدير بالذكر، أن أحد الأصدقاء قبل فترة عرض علي أحد ابتكاراته في هذا المجال وسماه نظام FEMTO، وهو نظام إلكتروني عبارة عن منصة مالية متكاملة براوٍ آلي متعدد اللغات متكامل بقواعد بيانات آنية متمتة، لإعطاء تقارير وتوجه دقيق للأسهم والأسواق المالية، وغيره الكثير.

ولعل وجود منصة إلكترونية ذكرتها في إحدى مقالاتي السابقة بعنوان "تطوير استراتيجية الابتكار وريادة الأعمال" سيمكن من الاستفادة من مثل هذه الأفكار والابتكارات وغيرها، وسيسهل وصول أصحاب الصلاحية والقرار لاعتمادها ضمن الأولويات الوطنية للبحث والتطوير والابتكار الرئيسة الأربعة التي تم إعلانها مسبقا، تتمثل في: صحة الإنسان، واستدامة البيئة والاحتياجات الأساسية، والريادة في الطاقة والصناعة، واقتصادات المستقبل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي