توقعات الطلب القوي ستدعم أسعار النفط
بعد شهر من الضغوط وتزايد المشاعر الهبوطية، أخيرا كسرت أسعار النفط هذا الاتجاه، وسجلت في الأسبوع الماضي مكاسبها الأولى في شهر مدعومة بتوقعات الطلب في الصين، وقوة الطلب على البنزين في الولايات المتحدة، بعد انخفاض المخزون أسبوعين على التوالي. وبالفعل، في أحدث تقرير شهري عن سوق النفط، رفعت "أوبك" توقعاتها بشأن الطلب الصيني، حيث من المتوقع الآن أن يرتفع الطلب الصيني على النفط هذا العام بمقدار 800 ألف برميل يوميا، ارتفاعا من 760 ألف برميل يوميا في توقعات الشهر الماضي، ما يضيف إلى التعافي بعد إلغاء إجراءات احتواء فيروس كورونا. وأبقت على توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط لهذا العام دون تغيير عند 2.33 مليون برميل يوميا. بعد أسبوع، تشير التوقعات إلى أن يصل الطلب العالمي على النفط إلى 102 مليون برميل يوميا، مدفوعا أيضا بقوة الطلب الصيني، الذي بلغ طلبها على النفط 16 مليون برميل يوميا قبل شهرين.، سينمو الطلب العالمي على النفط بمقدار 2.2 مليون برميل يوميا هذا العام.
مع اقترابنا من موسم القيادة والذروة السنوية للطلب على البنزين، يعد التشدد في أسواق البنزين والديزل عوامل صعودية لأسعار النفط. ومع ذلك، لم تتفاعل سوق النفط بصورة كبيرة مع هذه الأساسيات، حيث يركز المستثمرون على المخاوف بشأن النمو الاقتصادي، والانزلاق المحتمل في الطلب على الوقود، في حالة حدوث ركود كامل، في وقت لاحق من هذا العام.
في غضون ذلك، رغم ارتفاعها إلا أن أسعار النفط لا تزال منخفضة نسبيا على الرغم من توقعات الطلب المتفائلة هذه. في الواقع، انخفضت الأسعار رغم صعودها بشكل جيد. لماذا؟
لأن المخاوف بشأن الاقتصاد وأسعار الفائدة المرتفعة طغت على الإشارات التي تشير -وفقا للمحللين لـ "أوبك"- إلى أن هناك تشددا في السوق في وقت لاحق من هذا العام. إضافة إلى ذلك، لأن البيانات الصادرة من الصين أظهرت أن النشاط الصناعي ونمو مبيعات التجزئة كانا في نيسان (أبريل) أضعف من المتوقع، حيث ارتفع النشاط الصناعي في الصين 5.6 في المائة في أبريل، في حين أظهر استطلاع لخبراء الاقتصاد أجرته "رويترز" نموا متوقعا بنسبة 10.9 في المائة. في الواقع، الزيادة بنسبة 5.6 في المائة تعد زيادة قوية على معدل نمو النشاط الصناعي لآذار (مارس)، والذي بلغ 3.9 في المائة.
يبدو أن هناك انقساما كبيرا بين التوقعات والبيانات الفعلية الأخيرة، ما يؤثر في أسعار النفط بشكل كبير. تكمن المشكلة في ذلك في أنه إذا تحققت توقعات "أوبك"، وتقلص العرض في وقت لاحق من هذا العام، فستكون الصدمة على أسواق النفط أقوى بكثير.
إذن، وفقا للبيانات المسجلة، النشاط الصناعي في الصين يكتسب سرعة. لكن، وفقا لخبراء الاقتصاد، لا يتحرك بالسرعة الكافية التي اعتادت الأسواق عليها، وأي شيء آخر يتم تفسيره على أنه ضعف. لكن، في الوقت نفسه، واردات النفط الصينية آخذة في الارتفاع. في الواقع، أصبحت الصين هذا العام أكبر مستورد للنفط الخام في العالم، حيث استحوذت على 22.4 في المائة من الإجمالي العالمي. في مارس، ارتفعت واردات الصين من النفط 22.5 في المائة عن العام الماضي لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ حزيران (يونيو) 2020، على الرغم من تباطؤ النمو بعد شهر مع بدء موسم صيانة المصافي.
سيكون من الغريب أن نتوقع نموا ثابتا وراسخا في واردات النفط من الصين، تماما كما سيكون من الغريب توقع نمو اقتصادي ثابت وراسخ منها. ومع ذلك، يبدو أن كثيرا من المتعاملين يعتقدون ذلك، وهذا يقلل -في نظرهم- من مخاطر نقص المعروض. لكن، قد يكون هذا أمرا خطيرا لأنه قد يؤدي إلى زيادات حادة في الأسعار -أكثر حدة مما يمكن أن تكون عليه بخلاف ذلك- إذا تمكنت البيانات الاقتصادية على عكس التوقعات من التراجع في مرحلة ما.
تشير البيانات إلى أن الطلب العالمي على النفط آخذ في الازدياد. كما أن المعروض العالمي من النفط ينمو أيضا، لكن بمعدل أقل بكثير بسبب بعض القرارات، مثل التخفيضات الأخيرة لمجموعة "أوبك+"، والانقطاعات، مثل تلك التي حدثت في كردستان العراق وألبرتا. الصين هي المحرك الرئيس لأسعار النفط مع طلبها وكل ما يمكن أن يؤثر فيه. أدركت "أوبك" نمو الطلب القوي في الصين، لكن المتعاملين يفضلون اتباع بعض المحللين الذين قد يقدمون، لأسباب خاصة بهم، صورة مشوهة للواقع.
وفي الوقت نفسه، سجل نشاط الحفر في الولايات المتحدة أخيرا أكبر انخفاض منذ يونيو 2020، لكن لم يذكر أحد ذلك لأنهم كانوا مشغولين للغاية في انتظار بيانات النشاط الصناعي من الصين حتى يتمكنوا من بيع مزيد من النفط. حقيقة أنه لمجرد أن الواقع لا يرقى إلى مستوى التوقعات لا يعني أنه لا يهم، فقد ينقلب ذلك على المتعاملين في وقت لاحق من هذا العام.
من ناحية أخرى، هناك أيضا تضخم تجب مراعاته. مع عدم وجود علامات واضحة على التراجع في تلك الدائرة، يمكن أن يظل الطلب على النفط خارج الصين وآسيا ضعيفا، ما يسهم في سوق أكثر توازنا وتقليل مخاطر حدوث قفزات حادة في الأسعار. على سبيل المثال، إذا استمر التضخم في الارتفاع في أماكن مثل الاتحاد الأوروبي، فقد ينخفض الطلب على النفط، رغم أن أي انخفاض سيكون محدودا بسبب الدور الحيوي للنفط في أي اقتصاد.
لكن، إذا ظهر الطلب بالطريقة التي تتوقعها "أوبك"، فإن جميع المحللين والبنوك الاستثمارية الذين يتوقعون أن أسعار النفط قد تقترب من 100 دولار للبرميل قبل نهاية هذا العام سيكونون على حق. بالفعل، يعتقد بنك أوف أمريكا Bank of America أن أسعار النفط ستعود إلى ما فوق 80 دولارا للبرميل في النصف الثاني من العام، وترتفع نحو 90 دولارا للبرميل بسبب عجز العرض.