الآفاق العالمية .. اقتصاد صلب في مواجهة التحديات «4 من 4»
وبصدد الحديث عن مؤشرات الديون، فقد حققنا تقدما ملموسا في الأشهر الأخيرة. فالإطار المشترك بدأ يحقق النتائج المرجوة، وإن كان لا يزال ببطء شديد. وعملنا مع مجموعة العشرين برئاسة الهند، ومع البنك الدولي، وأنشأنا "اجتماع المائدة المستديرة بشأن الديون السيادية العالمية"، التي تجمع الدائنين من القطاعين العام والخاص والدول المدينة معا. وعلى سبيل المثال، استغرق الأمر 11 شهرا لتنتقل تشاد من اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي، إلى الحصول على الضمانات اللازمة من الدائنين للموافقة على البرنامج، وبعد ذلك استغرق الأمر تسعة أشهر كي تستطيع زامبيا الوصول إلى هذه النقطة المهمة، وستة أشهر في حالة سريلانكا، وخمسة أشهر في حالة غانا. وكنا نود أن نرى تقدما بوتيرة أسرع، إلا أننا نتحرك في الاتجاه الصحيح.
حتى مع ذلك، هناك حاجة إلى عمل مزيد لدعم الدول الصاعدة والنامية المعرضة للمخاطر. وهذا ما ترجع إليه حاجتنا الماسة إلى تعزيز شبكة الأمان المالي العالمية.
فاحتياطيات العملة، وخطوط تبادل النقد الأجنبي بين البنوك المركزية، والترتيبات المالية الإقليمية توفر جميعها بعض التأمين ضد الأزمات المالية. غير أن هناك نحو 100 بلد صاعد ومنخفض الدخل معرضة للمخاطر، بما فيها معظم الدول الإفريقية، لا تملك احتياطيات كافية، ولا تستطيع الاستفادة من خطوط تبادل العملات.
إذن، ليس ثمة ما يدعو إلى الدهشة في اعتمادها على الدعم من صندوق النقد الدولي، الذي يشغل موضع الصدارة في شبكة الأمان المالي العالمية. وفي كثير من الحالات، يكون الصندوق هو "ضامن من لا ضامن له".
فمنذ تفشي الجائحة، قدمنا تريليون دولار في هيئة سيولة واحتياطيات عالمية من خلال عملياتنا الإقراضية وتخصيص حقوق السحب الخاصة، وقدمنا نحو 320 مليار دولار في هيئة تمويل إلى 96 دولة، وزدنا بمقدار خمسة أضعاف تمويلنا دون فوائد إلى 56 دولة منخفضة الدخل من خلال الصندوق الاستئماني للنمو والحد من الفقر، وعملنا مع الدول الأعضاء الأقوى اقتصاديا لتوجيه حصة كبيرة من حقوق السحب الخاصة التي خصصت لها إلى الدول الأضعف، ما ولد نحو 100 مليار دولار من التمويل الجديد من خلال تسهيلات صندوق النقد الدولي، مثل الصندوق الاستئماني للنمو والحد من الفقر، وتسهيل الصلابة والاستدامة.
غير أن طاقة الإقراض من صندوق النقد الدولي تراجعت كنسبة من الالتزامات الخارجية العالمية على مدار العقود القليلة الماضية مع توسع الأسواق المالية، وشهدت نسبة الموارد المقترضة زيادة تدريجية.
لتعزيز هذا الأساس في شبكة الأمان العالمية، نحن بالتالي ندعو دولنا الأعضاء، إلى تعزيز موارد الصندوق المستمدة من الحصص، ونشجع أعضاءنا الأقوى على اتخاذ خطوة وتقديم مزيد من التمويل إلى الصندوق الاستئماني للنمو والحد من الفقر، وكذلك الصندوق الاستئماني للصلابة والاستدامة، لضمان دعم دولنا الأعضاء المعرضة للمخاطر.
واحتفاظ صندوق النقد الدولي بمستويات قوية وكافية من الموارد يعني كذلك أنه أكثر تجاوبا مع احتياجات الاقتصادات الصاعدة والنامية. واتخذنا بالفعل إجراءات قوية استجابة للصدمات الأخيرة، لكننا سنواصل تعزيز مجموعة أدواتنا، بما فيها تسهيلاتنا الوقائية.
وإذ يضم الصندوق في عضويته كل دول العالم تقريبا، فهو يضطلع بدور مهم في جمع الدول معا. وهو ما يعني كذلك تعزيز صوت الدول الصاعدة والنامية. وإنني أتطلع إلى موافقة أعضائنا على تخصيص مقعد ثالث لإفريقيا في مجلسنا التنفيذي.
ونواصل تصميم الدعم الذي يقدمه الصندوق، حسب الظروف الخاصة بكل دولة عضو، كما عززنا وجودنا الفعلي على أرض الواقع من خلال شبكات واسعة من مكاتب ممثلي الصندوق المقيمين والمراكز الإقليمية لتنمية القدرات، بما فيها مركزنا هنا في أبيدجان.
وأختتم مقالي بالعودة إلى 1973، وهو آخر عام شهد انعقاد الاجتماعات السنوية في إفريقيا. في ذلك الوقت، واجه المندوبون كثيرا من التحديات نفسها التي نواجهها اليوم: ارتفاع التضخم والصراعات والتحولات الاقتصادية الأساسية.
في كلمته أمام الاجتماعات السنوية حينها، أعلن الرئيس الكيني جومو كنياتا، أن "الحاجة إلى تعاون فعال بلغت أوجها". واختتم بكلمة واحدة هي "هارامبي" أي "دعونا نتكاتف ونحقق التعاون الكامل".
من خلال السياسات الصحيحة -و"هارامبي"- نستطيع أن نبني جسرا يصل بنا إلى مستقبل أكثر ازدهارا وسلاما. يمكننا أن نضع الأسس لنصف قرن أكثر إثارة للإعجاب من ذلك النصف الأخير.