غليان اقتصاد أمريكا وارتفاع الحرارة «2 من 2»

لقد قام بايدن أيضا بزيادة الحد الأقصى للمحتوى المحلي للمشتريات الحكومية، واشترط أن تعمل المشتريات الحكومية على تحقيق أقصى قدر ممكن فيما يتعلق باستخدام المدخلات الأمريكية ودعم إنتاج محلي أكبر، وهذا يعني أن بايدن قام بتقييد نطاق الاتفاق الذي مضت عليه عقود من الزمن بين أعضاء منظمة التجارة العالمية، الذي يلزمهم بعدم التمييز في المشتريات الحكومية ضد البضائع من الدول المشاركة في الاتفاقية.
أدت اتفاقية منظمة التجارة العالمية إلى انخفاض التكاليف بالنسبة إلى جميع الموقعين عليها، ما أدى إلى توفير أموال دافعي الضرائب، حيث دفعت الولايات المتحدة الأمريكية أموالا أقل مقابل السلع التي اشترتها، في حين كانت تصدر السلع إلى حكومات أخرى بتكاليف أمريكية أقل بالنسبة إلى تلك الحكومات. ويعمل تدخل بايدن الآن على رفع تكلفة مشتريات الحكومة الأمريكية "بما في ذلك المواد اللازمة للاستثمار بموجب قانون خفض التضخم"، وزيادة احتمالات قيام دول أخرى بالانتقام، ما يؤدي إلى انخفاض المشتريات من أمريكا.
في أغلب الاقتصادات المتقدمة، تنظم الزراعة بطرق تدعم أسعار المنتجات الزراعية. لقد أدى دعم الأسعار والقيود المفروضة على الزراعة إلى رفع أسعار المواد الغذائية وخفض كفاءة القطاع. وتنظم الولايات المتحدة أيضا كمية واردات السكر، ورغم وجود عدد قليل فقط من منتجي السكر في البلاد، لذلك يدفع الأمريكيون ما يقرب من ضعف المتوسط العالمي لشراء السكر، وهذا يضع صناع الكعك والحلوى في الولايات المتحدة الأمريكية في وضع تنافسي غير جيد.
إن المثال الأخير على التدخلات المصممة لأغراض محددة في الاقتصاد ـ ومن المستحيل تعدادها كلها ـ يتعلق بحليب الأطفال الصناعي، فخلال جائحة كوفيد - 19، كان هناك نقص كبير في هذه السلعة الحيوية بعد أن اضطر مصنع رئيس واحد إلى الإغلاق. إن المنتجين الأجانب، كما هي الحال في كندا، يستوفون المعايير نفسها التي يطبقها نظراؤهم في الولايات المتحدة الأمريكية، لكن القيود المفروضة على الكمية المستوردة، والرسوم الجمركية المرتفعة على السلع التي تدخل الولايات المتحدة الأمريكية، تجعل الآباء الأمريكيين غير قادرين على الوصول إلى حليب الأطفال الكندي.
من العوامل غير المساعدة أن برنامج التغذية التابع للحكومة الفيدرالية بالنسبة إلى النساء والرضع والأطفال قد اقتصر تاريخيا في كل ولاية على شركة مصنعة واحدة لحليب الأطفال، وبما أن هذا البرنامج يمثل نحو نصف إجمالي مشتريات حليب الأطفال في الولايات المتحدة، فقد أسهم ذلك في أن عددا قليلا من العلامات التجارية قد أصبح مهيمنا على السوق.
إن التدخل المباشر في أنشطة أو قطاعات اقتصادية معينة ينطوي على تكاليف باهظة ويشوه النشاط الاقتصادي، ويرفع الأسعار، ويقلل النمو، كما أن بعض التدخلات، مثل إعانات الدعم، يمكن أن تكون خطيرة، لأسباب ليس أقلها أنها قد تشير إلى المحسوبية بل حتى الفساد الصريح.
علاوة على ذلك ومع التغير التكنولوجي السريع نحتاج إلى الداخلين الجدد إلى السوق، علما أن القواعد التنظيمية ستكون مكلفة بالنسبة إليهم، وما يزيد المشكلة تعقيدا هو أن الهيئات التنظيمية الحكومية، لكي تقوم بعملها على أكمل وجه، يتعين عليها أن تفهم النشاط الذي تقوم بتنظيمه، لكن الحكومة تدفع لموظفيها أقل من القطاع الخاص، حيث يمكن للخبراء في مجال الصناعة العمل في أي من القطاعين.
لقد وصلت الولايات المتحدة الأمريكية إلى التفوق العالمي، وهذا يعود جزئيا إلى التزامها بضمان تكافؤ الفرص للقطاع الخاص، حيث تتوافق السياسة الصناعية التي طبقتها ـ مثل الاستثمارات في التعليم، والبنية الأساسية، والأبحاث ـ مع هذا الالتزام، لكن مع زيادة التدخلات وتعمقها، تتزايد كذلك الأخطار التي تهدد صدارة أمريكا الاقتصادية العالمية.

خاص بـ «الاقتصادية» بروجيكت سنديكت، 2023.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي