الاضطرابات الاقتصادية وأزمة الديون «1 من 3»

إن مراكش شهدت أخيرا عودة اجتماعاتنا السنوية إلى العالم العربي بعد 20 عاما. وهي المرة الأولى بعد 50 عاما منذ اجتماعنا على أرض القارة الإفريقية. في 1973 في نيروبي، تحدث مضيفنا فخامة الرئيس كينياتا عن الحاجة إلى إيجاد علاج "مرض التضخم وعدم الاستقرار الذي أصاب العالم". يبدو الأمر مألوفا، أليس كذلك؟ فهذه التحديات مشابهة للغاية لما نشهده اليوم. غير أن عالمنا الحديث مختلف للغاية، في كثير من النواحي الأخرى.
إنه عالم أكثر اتساعا، فهناك عدد أكبر بكثير من البشر، حيث ازداد تعداد السكان بأكثر من الضعف من أربعة مليارات إلى ثمانية مليارات نسمة. وهو عالم أكثر ثراء، فقد زاد نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي العالمي بأكثر من الضعف منذ 1973. وهو عالم أكثر تنوعا، فهناك حاليا عدد أكبر بكثير من الدول، وزاد أعضاء الصندوق من 125 في 1973 إلى 190 اليوم. وتحققت إنجازات مبهرة في الصحة والتعليم والتكنولوجيا.
هنا نشهد تطورات مذهلة.. لكن منافعها لم تصل إلى الجميع. رغم أن التكامل الاقتصادي العالمي أسهم في جعل المليارات من البشر أكثر ثراء وصحة وإنتاجية ـ فقد جاء متزامنا في حالة كثيرين مع اختلالات الأوضاع والفقر وعدم المساواة. وبالنسبة لكثيرين كان مسار التقدم وعرا.
فقد رأينا فترات من الاضطرابات، مثل صدمات النفط في السبعينيات، وأزمة الديون في أمريكا اللاتينية، والأزمة المالية الآسيوية، والأزمة المالية العالمية. وفي الأعوام الثلاثة الماضية فقط، شهدنا جائحة عالمية وحربا في أوروبا وأزمة غلاء المعيشة.
وهكذا، تمثل الـ50 عاما الماضية قصة تقدم استثنائي، لكنه تقدم محفوف بالاضطرابات. وشهدت كذلك تحولات هائلة في الاقتصاد العالمي. ترى كيف ستكون قصة الـ50 عاما المقبلة؟
وحول قصة الـ50 عاما المقبلة أنا لا أملك بلورة سحرية. لذلك، على سبيل التجربة، سألت.. الذكاء الاصطناعي! كيف ستكون حال العالم في 2073؟
وإليكم أحد التوقعات: في 2073، قد يتحقق الازدهار للاقتصاد العالمي المستدام، بدعم من الطاقة المتجددة والصناعات القائمة على الذكاء الاصطناعي. وقد يفتح استكشاف الفضاء آفاقا اقتصادية جديدة، بينما يسهم تعزيز الربط الإلكتروني العالمي في إعادة صياغة ديناميكية العمل. وقد تصبح العملات الرقمية هي الاتجاه السائد، لتحل بذلك محل الأنظمة المالية التقليدية. وقد تكون التطورات الثورية في الرعاية الصحية والانصهار الثقافي هي سمة هذه الحقبة، في ظل جهود تحقيق الاحتوائية الاقتصادية. تعتنق هذه الرؤية هدف إحراز التقدم التكنولوجي وتنمية الوعي البيئي وأوجد عالما يتسم بالترابط والإنصاف. ولا تنسوا أن هذه مجرد تكهنات، وأن الواقع قادر على أن يفاجئنا بطريقته الخاصة. وأعتقد أنني على يقين من وقوع المفاجآت!
السؤال الأهم هو كيف سنتمكن من الاستحواذ على منافع التحول والتعامل مع ما سيجلبه من أخطار؟ والبداية ليست سهلة.. بل إنها بداية صعبة. وفقا لما ورد في إصدارنا من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي منذ بضعة أيام، أثبت العالم صلابة هائلة، لكن التعافي من الصدمات التي شهدناها في الأعوام القليلة الماضية بطيء وغير متوازن ... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي