الاضطرابات الاقتصادية وأزمة الديون «2 من 3»

يعد النمو في الوقت الراهن الذي يبلغ 3 في المائة بطيئا، وهو أقل كثيرا من المتوسط في العقدين السابقين لوقوع الجائحة، ولأن توقعات النمو في الأجل المتوسط هي كذلك الأدنى على مدار عدة عقود، وغير متوازن، لأن الندوب الاقتصادية من جراء الصدمات الأخيرة متباينة إلى حد كبير عبر الدول، حيث اتضح أن دول الأسواق الصاعدة والدول النامية هي الأشد تضررا.
بعد فترة طويلة من التقارب الاقتصادي، ظهر تباعد خطير في المسارات عبر الدول والمناطق، وازداد تفاقما بسبب التشرذم، وتغير المناخ، والهشاشة، حيث ترك كثيرا من الدول عند نقطة الانهيار.
هذه هي الحال هنا خصوصا في القارة الإفريقية، موطن سكان العالم الأكثر شبابا، وسيكون من الضروري إحراز التقدم نحو سد فجوة الدخل مع الاقتصادات الأكثر تقدما وتوليد نمو غني بفرص العمل على مدار الـ50 عاما المقبلة.
في هذه اللحظة من عدم اليقين الشديد، ما الإجراءات التي يمكن أن نتخذها بلا ندم للمساعدة على كتابة قصة أفضل للـ50 عاما المقبلة؟
سأطرحها أمامكم في مجموعتين: الاستثمار في الأسس الاقتصادية القوية، والاستثمار في التعاون الدولي. وتأتي كذلك ضمن مبادئ مراكش التي أعلناها ـ مع البنك الدولي وحكومة المغرب ـ أخيرا.
أولا، الاستثمار في الأسس الاقتصادية القوية، ففي ظل ضعف آفاق النمو على المدى المتوسط، تصبح السياسات والإصلاحات السليمة ضرورية. وهنا في المغرب، في المناطق التي دمرها الزلزال، كانت المباني ذات الأساس القوي والهيكل الصلب هي الأكثر قدرة على تحمل الصدمات. الدرس الذي نستخلصه من ذلك هو أنه حتى إذا واجهتنا أوضاع اقتصادية مختلفة تماما، يتعين على صناع السياسات بناء أسس اقتصادية قوية من خلال السياسات السليمة.
ما المقصود بذلك؟
استقرار الأسعار مطلب ضروري. فهو شرط أساس للنمو، كما يوفر الحماية للمواطنين، خاصة الفقراء، وهذا يعني أن مكافحة التضخم لا تزال ضرورة قصوى. وكذلك بالنسبة إلى حماية الاستقرار المالي، فمن الواضح أننا نواجه حقبة من ارتفاع أسعار الفائدة فترة أطول، لكن زيادة تشديد الأوضاع المالية يمكن أن تلحق الضرر بالأسواق والبنوك والمؤسسات غير المصرفية. والرقابة القوية تمثل عاملا ضروريا في هذا الصدد.
سياسة المالية العامة الحصيفة أصبحت أكثر أهمية من أي وقت مضى، لماذا؟ لأن الدين والعجز أعلى بكثير من مستويات ما قبل الجائحة، وقد آن الأوان لاستعادة الحيز المالي. وهذا يعني اتخاذ الحكومات قرارات صعبة، إلا أنه بتحديد أولويات الإنفاق والاستعانة بأطر المالية العامة متوسطة الأجل، سيمكن تحقيق ذلك.
والإصلاحات التحويلية المكملة لهذه السياسات الأساسية هي أيضا ضرورية لتعزيز النمو متوسط الأجل.
لننظر مثلا في تحسين الحوكمة ـ للمساعدة على مكافحة الفساد، وتبسيط القواعد التنظيمية ـ لتيسير بدء ومزاولة الأعمال. وإجراء إصلاحات لتعزيز التجارة وتحسين فرص الحصول على رأس المال، وزيادة المشاركة في قوة العمل، خاصة النساء. فاختيار حزمة الإصلاحات السليمة يمكن أن يرفع مستويات الناتج لما يصل إلى 8 في المائة خلال أربعة أعوام. والعائد الأكبر على الإطلاق يتحقق من الاستثمار في البشر، خاصة التعليم الذي يؤهل الشباب، بمن فيهم هؤلاء الموجودون هنا في إفريقيا، للالتحاق بوظائف المستقبل. لكن من أين ستأتي الأموال اللازمة لهذه الاستثمارات؟ لو كانت لدي عصا سحرية لحولت مزيدا من رؤوس الأموال من العالم الثري، حيث تزداد شيخوخة السكان، إلى العالم النامي، أي عالم الشباب... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي