تجاوز الغاية
كانت الغاية من السيارة كما نعرف للنقل والتنقل وهذا حال الحاجات الأساسية الأخرى مثل الهاتف والأجهزة الإلكترونية والملابس وصولا إلى الغذاء والدواء، ولكن اليوم انتقلت إلى منطقة أخرى وحادت عن هدفها الأساس إلى أهداف أخرى والمشكلة أنها أهداف مضرة! ولكن كيف؟
عند ابتياع سلعة لا يكون هدفها الأساس الغرض الذي شريتها من أجله فإنها تعد ممارسة استهلاكية مفرطة وهو أسلوب اجتماعي تنطوي عليه عديد من السلبيات الصحية والنفسية والاقتصادية والمالية.
هل تذكر كيف كان الآباء والأجداد يشربون القهوة؟ وذلك الفنجان الصغير الذي يدفع بالطاقة للعمل والحياة، بينما اليوم قد لا يكفي أحدهم مقاس Big size من القهوة السوداء المركزة، وقس على ذلك أحجام الطعام والشراب الأخرى التي تزيد طولا وتتسع عرضا في كل يوم، وصولا إلى امتلاك 20 ساعة ومثلها من العطور والأحذية والخواتم والغتر والثياب، وهلما جرا من الاستهلاك المحموم الذي تجاوز غايته وهدفه الأساس. شخصيا أتعجب من إعلانات البرجر أحيانا التي تأتي على شكل طبقات بعضها فوق بعض أو "نفر مندي" الذي يكفي ثلاثة بالغين.
بعيدا عن التغذية، يمتد الاستهلاك المفرط إلى الأدوية وخدمات الرعاية الصحية، وهنا تشير عديد من الدراسات إلى أن سوء استخدام الأدوية والإفراط في الاعتماد على خدمات الرعاية الصحية يسهم في مقاومة المضادات الحيوية، وتصاعد تكاليف الرعاية الصحية، والآثار الضارة المحتملة على صحة الأفراد، ووصل بالبعض إلى المبالغة في استخدام الأدوية مثل البنادول لأنه يتوقع أن يصيبه صداع!
في الجانب الاجتماعي حدث ولا حرج ومن أكثرها بلاهة تلك التي ترتبط ثقافة الاستهلاك المفرط بالإنجاز والسعادة من كثرة الممتلكات المادية، أو لحظات انتظار وصول طلبات الأونلاين، ومن المعروف أن هذا السلوك يؤثر في مستويات الدين الشخصي والمدخرات، وهذا ما أثبتته عديد من الأدلة العلمية بشكل لا لبس فيه أن الاستهلاك المفرط يشكل تهديدات كبيرة على صحة الإنسان، والبيئة، والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
في النهاية لقد حان الوقت للوعي بهذا السلوك وأهمية العمل على التخفف منه واتباع نهج متعدد الأوجه وليس فقط على المستهلكين، بل حتى لمقدمي الخدمة وصانعي الدعاية التسويقية بما يشمل تغييرات سلوكية مفيدة، وتنعكس على المجتمع وتعزز الوعي وأنماط الاستهلاك المسؤولة.