"الذهب البني" ..  مغانم أوروبية بسواعد إفريقية

"الذهب البني" ..  مغانم أوروبية بسواعد إفريقية
"رويترز"

شهدت أسعار "الذهب البني" تقلبات في الأسواق الدولية، بقفزات قياسية رفعت سعر الطن الواحد من الكاكاو من 2500 دولار إلى 10 آلاف دولار، بزيادة قدرها % 250 خلال سنة واحدة فقط.
منحى تصاعدي تعززه الأخبار الواردة هناك، من أكبر دولتين تنتجان الكاكاو؛ فقبل أسابيع قليلة أعلنت غانا، ثاني أكبر منتج، تأجيل تسليم قرابة 350 ألف طن إلى الموسم المقبل، بسبب ضعف الإنتاج، بعدما باعت بموجب عقود آجلة 785 ألف طن من الكاكاو لهذا الموسم.
زيادة على تعليق برنامج "التجارة العادلة" في ساحل العاج؛ المنتج الأول عالميا، بسبب التحايل، بعد اكتشاف مجلس الكاكاو الذي يتولى إدارة شؤون السلعة، أن الحجم المعلن أكبر مرتين من حجم المنتج فعليا. فمنذ بداية موسم الحصاد حتى شهر أبريل الماضي، بلغ إجمالي ما وصل إلى الموانئ من محصول 1.3 مليون طن؛ ما يشكل تراجع قدره 1\3 من مجمل الإنتاج بالمقارنة مع السنة الماضية.
يمثل ذلك أدنى إنتاج للكاكاو في ساحل العاج منذ 7 أعوام، وفي غانا منذ 13 عاما، ما جعل المنظمة الدولية للكاكاو تتوقع تراجع الإنتاج العالمي هذا العام، بنسبة %10.9، ليستقر عند حدود 4.45 مليون طن، فالبلدان الإفريقيان؛ ساحل العاج وغانا، مسؤولان عن % 60 من الإنتاج العالمي.
يربط كثيرون تراجع الإنتاج بتأثير التقلبات المناخية، فمثلا ظاهرة النينيو في غرب إفريقيا أخرت موسم الجني، وأتلفت الأمطار الغزيرة حقولا كثيرة، وحتى تلك التي سلمت من الهلاك، تأثر منتوجها نتيجة عرقلت الأوحال في الطرقات لسلاسل التوريد، ما أدى إلى هلاك جزء من المحصول.
يبقى المناخ السبب الظاهر أو الشجرة التي تخفي وراءها الغابة، فمعه نجد ظاهرة التهريب التي اتسع نطاقها بين المزارعين الإيفواريين والغانيين، ممن يعمدون إلى تهريب الكاكاو إلى بلدان الجوار، حيث حرية الأسعار خلافا لثمن الشراء الحكومي في البلد. ما كلف غانا، عام 2022، مثلا خسائر قدر بنحو 600 مليون دولار.
واختيار بعض المزارعين الاستثمار في منتوجات زراعية أخرى غير الكاكاو، فالتقنيين الحكومي للزراعة يقلص هوامش الربح رغم ارتفاع الأسعار عالميا. ما جعل كثير من الشباب ينفرون من الاشتغال في مجال الزراعي، مسببين بذلك أزمة في اليد العاملة، دفعت غانا إلى إطلاق برنامج "جيل الكاكاو القادم" للشباب بالتعاون مع شركاء دوليين، لتحفيز الشباب للعمل في مزارع الكاكاو.
تعرف غانا مشكلة التعدين غير القانوني التي تعد مشكلة كبيرة بالنسبة لزراعة الكاكاو، فقد شهدت الـ 5 أعوام الماضية تدميرا خطرا لمزارع الكاكاو، بسبب منقبين يعلمون دون ترخيص، فحسب مايكل كوارتينغ؛ مدير أنشطة مكافحة التعدين غير القانوني، "تمثل الأراضي المفقودة بسبب التعدين غير القانوني % 2 من إجمالي مساحة زراعة الكاكاو في غانا".
تتعالى الأصوات، داخل بلدان غرب إفريقيا وحتى خارجها من أوروبا، مطالبة بالاهتمام بزراعة وإنتاج الكاكاو، لا سميا أن المدى الزمني للاستثمار في الأشجار قصير، إذ يتراوح ما بين 3 إلى 5 سنوات. فضلا عن تزايد الطلب على الكاكاو والشكولاتة، بسرعة كبيرة، جعلت خبراء يحذرون من احتمالية نفاد الإمدادات في غضون 20 عاما.
ما سبق لا يكفي كمحفزات لتشجيع الإيفواريين والغانيين وجيرانهم من أجل المغامرة، في ظل المعطيات القائمة حاليا، فنحو مليون مزارع في غرب إفريقيا، من أصل 5 ملايين، لا يكسبون ما يكفي لتلبية احتياجاتهم الأساسية.
معطيات يؤكدها تقرير أبحاث السوق لعام 2023 (Marketsandmarkets)، حيث بلغت قيمة مداخيل سوق الشوكولاتة 120 مليار دولار. لكن عائدات المنتج الفاخر تذهب في مجملها إلى حسابات الشركات العملاقة في أوروبا وأمريكا الشمالية، فيما نصيب الدول الإفريقية المنتجة للكاكاو؛ المادة الأولية لصناعة الشوكولاتة، بالكاد تتعدى % 5 من مداخيل السوق.

الأكثر قراءة