تغير المناخ هو البجعة السوداء التالية للأسواق

الفشل في توجيه مزيد من الجهود لإبطاء ارتفاع درجة حرارة الكوكب سيخصم 40 % من قيمة الأسهم العالمية

مكافحة تغير المناخ صعبة جزئياً، لأن البشر جنس غريب. ومن الصعب أن نجعلهم يهتمون برفاهيتهم وراحتهم في المستقبل، علاوة على رفاهية وراحة الأجيال القادمة.
ينفق الناس أموال التقاعد بسرعة على أشياء غير ضرورية، ويتجنبون يوم التمارين الرياضية للساقين، فهل تعتقد أنهم يهتمون بأحفاد أحفادهم الذين لا وجود لهم إلا في الخيال ؟

لكن الناس يهتمون فعلاً بأسعارالأسهم، وقد بُنيت إمبراطوريات إعلامية كاملة، وحيوات مهنية مربحة وسخية من خلال الحديث عن تلك الأسعار. وعلى عكس التفاصيل الغامضة عن حياة الأجيال القادمة، فإن أسعار الأسهم حقائق ملموسة، وهناك خط يصعد، وآخر يهبط، فالأمر بسيط.

لذلك ربما تلقى هذه القضية بعض الاهتمام، وهي أن لتغير المناخ أثراً سيئاً للغاية في أسعار الأسهم.

إن الفشل في بذل مزيد من الجهود لإبطاء الاحتباس الحراري الناجم عن انبعاثات الغازات الدفيئة سيخصم 40 % من القيمة السوقية للأسهم العالمية، حسب تقديرات دراسة جديدة من معهد إي دي إتش إي سي – ريسك EDHEC-Risk لتأثير تغير المناخ.

وعندما نضع في حسابنا "نقاط التحول" التي تسرع تغير المناخ مثل تدهور غابات الأمازون أو انبعاث غازي كبير من التربة الصقيعية الذائبة، فإن الخسائر في السوق ترتفع لتصل إلى 50 %.

من ناحية أخرى، إذا قام العالم بترتيب أموره وقلّص الاحترار إلى درجتين مئويتين فوق المعدلات التي كانت سائدة قبل عصر الصناعة، فإن الخسارة في أسعار الأسهم ستراوح فقط بين 5 % و10 %.

جيل المناخ الضائع

نقطة رئيسة هنا تجب ملاحظتها، هي أن تلك الخسائر لن تكون لمرة واحدة، كما حذر المؤلف الرئيسي للتقرير ريكاردو ريبوناتو، أستاذ التمويل في كلية الأعمال "إي دي إتش إي سي" في لندن والمسؤول التنفيذي السابق في شركة بيمكوPimco ، في ندوة على الإنترنت.

لن يحدث أن نعود إلى الأوضاع العادية. والأرجح أن نغوص في رحلة طويلة عبر البرية مثل العقود الضائعة في اليابان.

قال ريبوناتو: "بعد كورونا واجهنا خسارة هائلة في الناتج المحلي الإجمالي لكن تلاها انتعاش. هنا يبدو أن الأمر يشبه الرياح المعاكسة، رياح معاكسة متواصلة، من دون انتعاش، وقد يكون ذلك هو جيل المناخ الضائع في عوائد الأسهم".

تتوقع ورقة EDHEC خسائر أكبر بكثير في أسواق الأسهم مقارنة بمعظم الدراسات الأخرى، كما يشير ريبوناتو. ويرجع ذلك جزئياً لأن الدراسات الأخرى ركزت على تكاليف تحول الاقتصاد العالمي إلى الطاقة المتجددة بدلاً من الدمار الأكبر الذي سيلحقه تغير المناخ بالنمو.

دراسة ريبوناتو، التي تأخذ في الحسبان كلاً من التحول والأضرار، تتسق بشكل أكبر مع ورقة بحثية حديثة صدرت عن المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، التي تقدر خسارة بنسبة 12 % في الناتج المحلي الإجمالي العالمي لكل درجة مئوية من الاحترار.

كذلك حذر "معهد بوتسدام" لأبحاث تأثير المناخ أخيرا من انخفاض بنسبة 19 % في الدخل العالمي بحلول عام 2050 وقد تأكد ذلك بالفعل، حتى لو قمنا بخفض الانبعاثات بقوة بدءاً من اليوم. وقدّر الخسائر بنحو 38 تريليون دولار سنوياً نتيجة لمناخ فوضوي.

خسائر مزمنة وأشد إيلاما

يتجاهل عديد من الباحثين تأثير المناخ في النظرية القائلة إن السوق تخفض هذه الأضرار بشكل كبير لأنها ستحدث في لحظة بعيدة في المستقبل. لكن دراسة EDHEC توضح بشكل مقنع أن المستثمرين سيقدرون قيمة المال أكثر وأكثر كلما ضعف الاقتصاد.

لذا في الأيام الأولى لتغير المناخ، عندما لا يزال النمو الاقتصادي قوياً نسبياً، لن يهتم المستثمرون كثيراً بالخسائر المستقبلية. فنحن أغنياء على أي حال! دعنا نشتري يختاً! (انظر تجنب يوم تمارين الساق أعلاه).

لكن مع استمرار الاحترار وتزايد الخسائر، ستصبح تلك الخسائر أشد إيلاماً بكثير. وسيصبح التراجع التدريجي شيئاً من الماضي، مثل الأنهار الجليدية والثلوج.

وكما هي الحال مع الأشياء في مرآة الرؤية الخلفية، تصبح أضرار تغير المناخ أقرب بالفعل مما يبدو. لقد كلفت الكوارث الجوية الاقتصاد العالمي 1.5 تريليون دولار في الأعوام الـ10 الأولى من القرن الـ21، بحسب المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، بزيادة تقارب 10 أضعاف التكلفة منذ سبعينيات القرن الماضي بعد تحييد تأثير التضخم. وقدرت شركة إعادة التأمين السويسرية "سويس ري" أن تتضاعف الخسائر المؤمنة من الكوارث الطبيعية في العقدين المقبلين.

تباطأ معدل التضخم في أمريكا على نطاق واسع في يونيو إلى أقل وتيرة منذ 2021، ما يعزز ثقة مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي بقدرتهم على خفض أسعار الفائدة قريبا.

لكن هذه الأرقام تبخس بشكل كبير تقدير تأثيرات تغير المناخ المحتملة في النمو الاقتصادي. وكما يلاحظ ريبوناتو، فإن الحرارة القصوى، وارتفاع مستوى البحر، وغيرها من التأثيرات طويلة الأمد للاحترار العالمي ستلحق ضرراً أكبر بكثير بالصحة البشرية ومستوى الإنتاجية، من الكوارث المتفرقة مثل الأعاصير أو حرائق الغابات.
قال ريبوناتو: "ربما نركز كثيراً على الأحداث الكارثية بدلاً من الأضرار المزمنة، وهناك جانب مزمن يتعلق بخسائر الإنتاجية، وتدهور الكفاءة، الذي يكون أقل وضوحاً وأشد بطئاً لكن تترتب عليه أضرار مستمرة".

ومن هنا يأتي الجيل الضائع.

تكلفة الإهمال في أوضاع غامضة

دراسة معهد "إي دي إتش إي سي – ريسك" تذكير آخر بأن التكلفة المتوقعة التي تبلغ قيمتها 215 تريليون دولار (وأكثر) لتجنب أسوأ احتباس حراري ستتضاءل في نهاية المطاف مقارنة بتكلفة الإهمال وعدم الاهتمام.

وبقدر ما تبدو هذه التقديرات كبيرة وغامضة، يعدها ريبوناتو متحفظة. فمن ناحية، يفترض نموذجه أن البنوك المركزية العالمية ستقوم دائماً بخفض أسعار الفائدة عندما يكون النمو الاقتصادي سيئاً. وكما نعلم جميعا، الفوائد المنخفضة تجعل الخط البياني يصعد. لكن الأوبئة، والجفاف، وغيرها من الاضطرابات العالمية ترفع مستوى التضخم والدين العام أيضاً، وهو ما يحد من مدى اتخاذ البنوك المركزية مواقف صديقة لاقتصاد السوق.

استنتاج آخر رئيس في دراسة معهد "إي دي إتش إي سي – ريسك" هو أن هذه التقديرات للأضرار ليست قريبة حتى تضعها الأسواق في اعتبارها بعد. لقد بحث عديد من المحللين على مدى سنوات عن علاوة مخاطر المناخ ولم يجدوا سوى آثار ضعيفة.

هذه نتيجة منطقية إلى درجة ما. فلا نستطيع سوى تخمين تلك الأضرار في هذه المرحلة. وربما تفترض الأسواق المتفائلة أننا سنتجنب الأسوأ. لكننا قد نكون أيضاً مثل أولئك الذين يعجزون عن توفير المال للتقاعد، نسير ونحن نيام باتجاه لحظة يتركنا فيها فشلنا في توقع المستقبل، وقد أصبحنا بلا مستقبل على الإطلاق.

خاص بـ "بلومبرغ"

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي